كافة الديانات السماوية في حقيقة الأمر اتفقت على تحريم جريمة الزنا، سواء بزواج أو دون زواج، وذلك صيانة للأخلاق والفضيلة عند البشر وتطهيراً للنفس من الرذيلة، ولكن اختلفت التشريعات الوضعية فى نظرَتها إلى هذه الجريمة فمنها من كان قد جرمه كالمشرع الفرنسي، والذي ما لبث وأن ألغى العقوبة، فقد اعتبر أن تجريم مثل هذا الفعل لا طائل منه، فمن لم تردعه أخلاقه عن ارتكابه، لن تردعه أي عقوبة، واكتفى بما أقره المشرع الإنجليزي أى بالطلاق والتفريق كجزاء عادل إذا ما طلب الزوج ذلك.
ورغم الاختلافات الواضحة في الثقافات بين الدول العربية، يبدو أن جميع القوانين العربية اتفقت على التمييز بشكل أو بآخر في موقف الرجل والمرأة المتهمين بممارسة الجنس خارج إطار العلاقة الزوجية، حيث تجمع التشريعات في أغلب الدول العربية على عدم المساواة بين "الزاني" و"الزانية" في العقوبة وفي شروط تحقق الجرم، إلا في العراق ودول المغرب العربي، إذ إن هنالك مساواة بين الطرفين، علماً أن هذه المساواة لم تخل هي أيضاً من بعض أشكال التمييز.
موقف المشرع المصري من جريمة الزنا
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية التمييز بين "الزاني" و"الزانية" في القانون المصري في الوقت الذي تتجدد فيه إحالة المحاكم المختلفة وتقديم الدعوى القضائية بشأن المادتين 274 و276 للمحكمة الدستورية العليا للفصل فيهما والقضاء بعدم دستوريتهما لأنهما فرقتا بين الزوج والزوجة – الرجل والمرأة - في عقوبة الزنا وطرق الإثبات، وذلك على الرغم من أن المادة الثانية من الدستور المصري تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأنها تساوي بين الرجل والمرأة، إلا أن قانون العقوبات جاء مخالفاً لمبدأ المساواة هذا – بحسب الخبير القانوني والمحامى محمد ميزار.
وعن موقف المشرع المصرى من جريمة الزنا، يميز القانون بين الرجل والمرأة فى شروط تحقق واقعة الزنا، فالمرأة المتزوجة تعاقب على فعل الزنا أياً كان مكان وقوعه "فى منزل الزوجية أو خارجه"، لكن القانون لم يعترف بذلك للزوج فإذا زنا فى غير منزل الزوجية، فلا تتحقق بالنسبة له جريمة الزنا إلا إذا كان قد زنا بامرأة متزوجة أما إذا ارتكب الزنا فى خارج منزل الزوجية مع امرأة غير متزوجة فلا تقوم فى حق أى منهما جريمة الزنا – وفقا لـ"ميزار".
المستشار بهاء أبو شقة
اقتراحات أبو شقة فى جريمة الزنا
وفى مجلس النواب الماضى - اقترح بهاء أبو شقة رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب، تعديل قانون العقوبات وتحديدا فى المواد المتعلقة بالزنا، لأن البعض قد يستغل جريمة الزنا فى الاتجار من ناحية ومن ناحية أخرى فى ابتزاز الطرف الآخر بشكل غير لائق بالمرة، مؤكداَ أن المادة رقم 237 من قانون العقوبات، والتى تنص على:
"من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هى ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة فى المادتين 234، 236"، التى أجازت معاقبة الزوج الذى يفاجئ زوجته وهى ترتكب جريمة الزنا بعقوبة تختلف عن عقوبة الزوجة التى تفاجئ زوجها وهو يرتكب جريمة الزنا، لافتا إلى أن هذا الأمر لا يبلور المساواة بين الطرفين خاصة وأن نفس شعور الزوج المفاجئ عن رؤية زوجته فى مشهد مخل ينطبق على الزوجة أيضا حال ارتكاب زوجها لنفس الجريمة.
وطالب "أبو شقة" بأن تكون هناك مساواة فى عقوبة أى من الزوجين حينما يفاجئ زوجه متلبسا بجريمة زنا وقتله فى الحال هو ومن يزنى معه، كما دعا رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب، إلى ضرورة تعديل المادة رقم 274 والتى نصت على: "المرأة المتزوجة التى ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت"، لافتا إلى أن التعديل يجب أن يشمل استكمال إجراءات الحكم دون إتاحة الفرصة للزوج أن يوقف تنفيذ الحكم.
إحالة المادتين 274 و276 من قانون العقوبات للمحكمة الدستورية العليا
هذا وقد - قضت محكمة جنح مستأنف جنوب بنها، برئاسة المستشار أحمد وسام قنديل، بإحالة المادتين 274 و276 من قانون العقوبات، للمحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريتهما، في سابقة تاريخية حول مواد عقوبة الزنا في القانون المصري والفرق بين الرجل والمرأة، حيث جاء ذلك على خلفية نظر استئناف سيدة على حكم حبسها في اتهام زوجها لها بالزنا، فيما جاء قرار القاضي بإحالة المادتين إلى المحكمة الدستورية العليا للبت فيهما دون طلبات من الدفاع.
وجاء في حيثيات الحكم، أن المشرع في المادتين المحالتين للدستورية العليا، ميز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا دون مبرر شرعي أو موضوعي لهذه التفرقة التي تقوم على أساس الجنس بالمخالفة للدستور الذي ضمن المساواة بين الرجل والمرأة، وتنص المادة 274 من قانون العقوبات على أن: "المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت".
فيما حددت المادة الأخرى المحالة للدستورية والتي تحمل رقم 276، أشكال إثبات الجريمة على الرجل، على أن الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا، هي القبض عليه متلبس بالفعل واعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة، أو وجوده في منزل الزوجية، وأشار القاضي في حيثيات حكمه إلى أن نصوص القانون الحالي مأخوذة من قانون العقوبات الفرنسي القديم الصادر سنة 1810، والتي ألغاها المشرع الفرنسي سنة 1975، بينما ظل المشرع المصري متمسكاً بها، وأن الشريعة الإسلامية لم تفرق بين زنا الرجل والمرأة في العقوبة أو وسائل الإثبات.
رفض دعوى عدم دستورية التفريق فى عقوبة الزنا بين الزوج والزوجة
ومن المعلوم أن المحكمة الدستورية العليا سبق لها وأن رفضت عشرات الدعاوى المطالبة بعدم دستورية المادتين 274، 277 من قانون العقوبات الخاصة بإقامة دعوى الزنا، كان آخرها بتاريخ 14 يوليو 2020، حيث أقيمت الدعوى رقم 318 لسنة 23 دستورية، للمطالبة بعدم دستورية المادتين 274، 277 من قانون العقوبات الخاصة بإقامة دعوى الزنا.
أما المادة 274 من ذات القانون تنص على أن: "المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يوقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت"، بينما تنص المادة 276 من ذات القانون على: "الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم"، وتنص المادة 277 من قانون العقوبات على أنه: "كل زوج زنا فى منزل الزوجية وثبتت عليه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر".
التمييز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا
القانون المصرى فرق بين الرجل والمرأة في شروط تحقق واقعة الزنا، حيث أن المرأة المتزوجة تعاقب على فعل الزنا أيًّا كان مكان وقوعه "في منزل الزوجية أو خارجه"، والقانون لم يعترف بذلك لـ"الزوج"، فإذا زنا في غير منزل الزوجية، فلا تتحقق بالنسبة له جريمة الزنا إلا إذا كان قد زنا بامرأة متزوجة، أما إذا ارتكب الزنا في خارج منزل الزوجية مع امرأة غير متزوجة فلا تقوم في حق أي منهما جريمة الزنا، وفى الحقيقة هذا التمييز ممقوت لأنه أولاَ يشجع الرجل على الزنا مرتين الأولي بإباحة الفعل إذا حدث في غير منزل الزوجية، والثانية بتخفيف عقابه عن عقاب الزوجة ولو خانها في منزل الزوجية – الكلام لـ"ميزار" .
وعن تمييز القانون بين الرجل والمرأة في العقوبة، أجاب "ميزار": المرأة التي ثبت زناها تعاقب بالحبس سنتين طبقاً للمادة 274 من قانون العقوبات، أما الزوج الذي ثبت زناه في منزل الزوجية فيعاقب بالحبس 6 أشهر طبقاً للمادة 277.
وعن قتل الرجل لزوجته فى حال تلبسها بـ"الزنا"
وعن قتل الرجل لزوجته فى حال تلبسها بـ"الزنا"، قال "ميزار": يخفف قانون العقوبات كذلك عقاب الزوج الذي يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا فيقتلها هي وشريكها، إذ لا تطاله العقوبات المقررة للقتل العمد أو للضرب المفضي إلى الموت، وإنما يعاقب بالحبس مدة 24 ساعة فقط وعلة التخفيف هنا حالة الغضب والاستفزاز اللذين يسيطران على الزوج.
وبالنسبة لقتل الزوجة لزوجها حال تلبسه بالخيانة
وبالنسبة لقتل الزوجة لزوجها حال تلبسه بالخيانة، أكد "ميزار": "هذا العذر المخفف للعقاب لا تستفيد منه الزوجة التي تفاجئ زوجها متلبساً بالخيانة الزوجية، ولو كانت قد فاجأته في منزل الزوجية الذي تقيم فيه مع زوجها"، وهذه التفرقة بين الزوج والزوجة في الاستفادة من عذر تخفيف العقاب تبنى على فرضية غير إنسانية، مؤداها أن الزوجة لا يقبل منها أن تنفعل وتتهور حين تفاجأ بشريك حياتها متلبساً بالخيانة في منزل الزوجية، بل الواجب عليها أن تسيطر على غضبها وانفعالها ، فلا تقدم على إيذاء زوجها أو من يزني بها فإن تهورت وقتلته أو قتلت شريكته لا يخفف عقابها فتعاقب بعقوبة القتل العمد أي السجن المؤبد أو المشدد.
التفرقة بين الرجل والمرأة في الإجراءات
وعن التفرقة بين الرجل وامرأة في الإجراءات في مجال المحاكمة عن الزنا، أجاب: "يميز القانون المصري المرأة بأحكام خاصة في المجال الإجرائي الخاص بجريمة الزنا كالتالى:
- "يسقط حق الزوج في تقديم الشكوى ضد زوجته الزانية إذا كان قد سبق له ارتكاب الزنا في منزل الزوجية مادة 273 عقوبات، وفي هذه الحالة يكون للزوجة أن تدفع بعدم جواز محاكمتها عن جريمة الزنا لسبق ارتكاب زوجها لجريمة الزنا، وهذا حق مقرر للزوجة دون الزوج".
إن هذا النص معيب لأنه يقرر المقاصة في الفواحش والسيئات، فكأنه يقرر للزوجة حقاً في ارتكاب جريمة الزنا إذا كان زوجها قد سبقها إلى ذلك فهو بهذا يبرر الفاحشة بفاحشة مثله، والإجراء الثانى هو حال صدور حكم بإدانة الزوجة عن جريمة الزنا كان للزوج أن يوقف تنفيذ هذا الحكم إذا رضي بمعاشرتها له كما كانت قبل الحكم، "ويعني هذا أن العفو عن عقوبة الزوجة حق للزوج لمصلحة زوجته، ولكن الزوجة لا يثبت لها حق العفو عن عقوبة زوجها إذا رضيت زوجته بمعاشرته لها مادة 274 عقوبات".
علاقة الشريعة الإسلامية فى مسألة التفرقة فى العقوبة
وعن إمكانية جواز إيقاف تنفيذ حكم بإدانة الزوجة عن جريمة الزنا من عدمه قال"ميزار": "إذا صدر حكم بإدانة الزوجة عن جريمة الزنا، كان للزوج أن يوقف تنفيذ هذا الحكم إذا رضي بمعاشرتها له كما كانت قبل الحكم، ويعني هذا أن العفو عن عقوبة الزوجة حق للزوج لمصلحة زوجته، ولكن الزوجة لا يثبت لها حق العفو عن عقوبة زوجها إذا رضيت زوجته بمعاشرته لها(م274ع) وهذا تمييز منتقد بين الرجل والمرأة، لأنه يكرس دونية المرأة على الرغم من أنه تمييز يحقق مصلحتها، لكنه لا يراعى مصلحة الأسرة إذا رأت المرأة العفو عن زوجها بعد الحكم عليه حفاظاً على سمعة الأسرة ومراعاة لمشاعر أبنائها منه، والتفرقة بين الزوج والزوجة تفرقة معيبة، لا سند لها من علة التخفيف، وهي سبب لعدم دستورية النص المقرر لهذا العذر المخفف للعقاب، كما أنها تفرقة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية" .
وطالب الخبير القانوني - المشرع المصرى بسرعة إلغاء هذا العذر المخفف للعقاب، ليترك مسألة تخفيف عقاب الزوج أو الزوجة في هذه الحالة للسلطة التقديرية للقاضي الجنائي في إطار ما تقرره المادة 17 من قانون العقوبات وهي تجيز للقاضي في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة النزول بالعقوبة المقررة للجناية درجة واحدة أو درجتين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة