ارتفعت خلال الفترة الماضية نسبة إقدام الشباب من الجنسين على الانتحار بحبوب "حفظ الغلال" أو ما يُطلق عليه بـ"الحبة القاتلة"، وبالأخص في المحافظات الريفية، ولازال السؤال الذى يطرح نفسه حتى كتابة تلك السطور متى تصدر الجهات المختصة قرارا بمنع استيراد حبوب الغلة القاتلة؟ وهل هناك ما يغنى عن استخدامها والحفاظ على المحاصيل من التلف؟ وإلى أي مدى تهتم الجهات المختصة بإيجاد حل لهذه المشكلة؟ وهل هناك تحركات برلمانية لحظر استيراد حبوب الغلة القاتلة من الخارج؟.
وبدأت حالات التسمم بحبوب "حفظ الغلال" في التزايد منذ عام 2015، وتحولت من حالة عابرة إلى ظاهرة شبح موت يطارد الجميع، والمؤسف أن حوادث الانتحار بهذه الحبة تنتهي بالموت السريع، ولحبوب حفظ الغلال 18 أسماَ تجارياَ، واسمها العلمى هو "الألومنيوم فوسفيد"، وفى السابق كان يتم حفظ المحاصيل بطريقة بدائية آمنة، واتجه الناس بعدها إلى استخدام المواد الكيميائية في التخزين، ورغم خطورتها، وقامت عشرات الدول بمنعها وحظرها، بعد زيادة نسبة وفيات الأطفال بسببها.
الانتحار بحبوب "حفظ الغلال"
ومع تزايد حالات الانتحار بصورة ملفتة للنظر – بدأت تحركات برلمانية موسعة خلال البرلمان السابق لحظر استيراد حبوب الغلة القاتلة من الخارج، حيث سبق وأن تقدم النائب محمد تمراز عضو لجنة الشئون الزراعية بمجلس النواب السابق – عن دائرة البحيرة – بطلب إحاطة إلى الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب السابق، لوقف استيراد "حبوب الغلة القاتلة"، وإيجاد بديل آخر لا يشكل خطورة على صحة المواطنين.
ويتطلب هذا الملف ضرورة مناقشته واستدعاء المسؤولين، للوقوف على إمكانية البحث عن بديل أمن لهذه الحبوب تمكّن الفلاحين من الحفاظ على المحاصيل دون وقوع أي أضرار عليهم ومن حولهم، حيث أن هذه الحبوب "السامة" يتم تداولها بالصيدليات البيطرية، وبيعها بدون أدنى رقابة وهو ما يمكن من شرائها من قبل أي شخص وللأسف يستخدمها الفلاحون للحفاظ على محصول القمح من التسوس، ويجب منع هذه الحبوب نهائيًا، ومنع استيرادها، وتشديد الرقابة فى مسألة بيعها، ووضع ضوابط لمن يقوم بشرائها.
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامى سامى البوادى – أن حبوب الغلة اسمها العلمي - الألومنيوم فوسفيد - ويستخدمها المزارعون، لوضعها في محصول القمح، لحفظه من التسوس والحشرات الضارة التي من شأنها الإضرار بالمحصول، حيث لا تكاد معظم المنازل الريفية تخلو من مثل هذه الحبوب، مما أدى إلى خلق حالة من الاختلاط، بين صفوف المواطنين في شتى المحافظات، وأصبح استخدامها يمتد إلى الانتحار، بل هي الوسيلة الأسرع لحالات الانتحار في الآونة الأخيرة حيث أن سهولة الوصول للأقراص المميتة وإتاحتها أصبح سببا من أسباب الانتحار، فقد تسببت في وفاة وإصابة المئات من أبناء المحافظات الزراعية، بتلك الحبة التي تحتوي على مواد شديدة السمية تستطيع إنهاء حياة الإنسان فى دقائق معدودة إذا تناولها مباشرة.
مكونات حبة الغلة
ووفقا لـ"البوادى" في تصريح لـ"اليوم السابع" - تدخل في تصنيع حبة الغلة، مادة "زينك فوسفيد"، ويخرج منها غاز قاتل للبشر، ومسجلة بـ3 أسماء تجارية لها نفس تركيب حبة الغلة، وهي يكوفيوم %100 غاز تبخير ومسجل تحت رقم 1463، ومبيد فوسفيد زنك النصر ومسجل تحت رقم 102، ومبيد راتول ومسجل تحت رقم 1456، إلا أن حبة الغلة، مسجلة كمبيد حشري بوزارة الزراعة، وتدخل مصر بشكل رسمي، ولا توجد أي محاذير لبيعها، رغم أن المادة مكتوب أنها عالية السم، ولا توجد أعراض سريرية واضحة لهذا الغاز، ولذلك يصعب التكهن بالمتسبب فور مشاهدة المريض إلا في حالة إخبار المريض أو أحد أفراد أسرته بتناول "حبة الغلة".
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية حظرت تداول غاز الفوسفين أو منتجاته منذ بداية التسعينيات وتم تصنيفه كغاز سام يحظر تداوله وذلك وفقا لإدارة الصحة والأمان، إلا أن خبراء الزراعة اقرو أن سوء استخدام البشر لـ"الحبة القاتلة"، هو ما تسبب في ازدياد أعداد المنتحرين بها، حيث أن المبيدات بجميع أنواعها لا يمكن الاستغناء عنها، ولكن يمكن تقليص عدد البائعين ورصدهم ووضعهم تحت رقابة حتى لا تنتشر بصورة أوسع.
عقوبة القتل بالسم
وحول استخدام تلك الحبة في جرائم القتل – يقول "البوادى" - نشير الي أن القتل بالسم تعد من الجرائم التي يهتز لها المجتمع، إلا أن القتل بحبوب الغلال لا يعاقب عليه القانون بشكل مباشر حيث لا يوجد ما يجرم حيازته، إلا أنه يتم تكييفها قتل بالسم وفى مجال القانون يعد القتل بالسم من أكبر الجرائم أهمية، نظراً لما لها من تأثير علي المجتمع وأمنه واستقراره، وكل من قتل نفسا عمداً مع سبق الإصرار على ذلك أو الترصد يعاقب بالإعدام، وفي هذه الحالة فإن ندم القاتل لا يفيد من تطبيق العقوبة عليه لتوافر أركان الجريمة من إصرار وترصد، والإصرار السابق هو القصد المصمم عليه قبل الفعل لارتكاب جنحة أو جناية يكون غرض المصر منها إيذاء شخص معين أو أي شخص غير معين وجده أو صادفه سواء كان ذلك القصد معلقا على حدوث أمر أو موقوفا على شرط، والترصد هو تربص الإنسان لشخص في جهة أو جهات كثيرة مدة من الزمن طويلة كانت أو قصيرة ليتوصل إلى قتل ذلك الشخص أو إلى إيذائه بالضرب ونحوه، والمادة 233 من قانون العقوبات تنص على أن: "من قتل أحداً عمداً بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو أجلاً يعد قاتلاً بالسم أيا كانت كيفية استعمال هذه الجواهر ويعاقب بالإعدام".
ومن قتل نفساً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى، وأما إذا كان القصد منها التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها أو ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة وتكون العقوبة الإعدام إذا ارتكبت الجريمة تنفيذا لغرض إرهابي.
المشرع المصري ميز القتل بالسم عن الصور العادية الأخرى
ومن المقرر أن التسمم وإن كان صورة من صور القتل العمد، إلا أن المشرع المصري ميز القتل بالسم عن الصور العادية الأخرى للقتل بجعل الوسيلة التي تستخدم فيها لأحداث الموت ظرفاً مشدداً للجريمة لما ينم عن غدر وخيانة لا مثيل لهما في صور القتل الأخرى، ولذلك أفرد التسمم بالذكر في المادة 233 من قانون العقوبات وعاقبت عليها بالإعدام ولو لم يقترن فيه العمد بسبق الإصرار إذ لا يشترط في جريمة القتل بالسم وجود سبق إصرار لأن تحضير السم فى جريمة القتل في ذاته دال على الإصرار، ويكفي في جريمة القتل بالسم أن تكون المواد التي استعملت في الجريمة من الجواهر السامة ومن شأنها إحداث الموت – هكذا يقول "البوادى".
يشار إلى أنه أثناء انعقاد جلسات مجلس النواب السابق، ظهرت اقتراحات لاعتبار "حبة الغلال" من المنتجات المجدولة، حتى لا يتم تداولها بين الناس إلا للحاجة إليها، وعن طريق جهات متخصصة وبآلية معينة بحيث يمنع وصولها بسهولة إلى الراغبين في الانتحار، وأنه يجب التوعية بخطورة تلك المادة السامة، وتسليط الضوء على أضرارها، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، والندوات في الجامعات والمدارس وخاصةً في البيئة الريفية، إذ يقع علي مَن يقوم ببيع تلك الحبة، مسئولية أن يتقي الله ولا يقوم ببيعها إلا لمن يثق أنه بحاجة إليها في الزراعة وعدم بيعها للأطفال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة