التمييز بين الزانى والزانية فى العقوبة إشكالية دستورية وقانونية تثير الجدل بين الفقهاء من سنوات طويلة؛ حيث اختلفت تشريعات وقوانين كافة الدول، لاسيما العربية فى إقرار عقوبة الزنا سواء كان مرتكب الجريمة متزوجا أو غير متزوج، وذلك رغم أن كافة الأديان السماوية اتفقت على تجريم الزنا دون تمييز فى العقوبة سواء كان الفاعل رجل أو امرأة.
ورغم أن الدين الإسلامى هو مصدر التشريع فى الدستور المصرى، ورغم أن الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة فى عقوبة الزنا، إلا أن المشرع خالف هذا المبدأ وفرق بينهما فى شروط وطرق إثبات وقوع الزنا، كما فرق بينهما فى العقوبة أيضا، حيث تعاقب المرأة المتزوجة على الزنا أيا كان مكان وقوع الجريمة، سواء فى منزل الزوجية أو خارجه، أما الزوج إذا ارتكب جريمة زنا فلا يعاقب عليها إلا إذا كان مع امرأة متزوجة وداخل منزل الزوجية، وحال ارتكابه الجريمة مع غير المتزوجة وخارج منزل الزوجية فلا تتحقق الواقعة ولا عقاب له..
المشرع المصرى فرق أيضا بين عقوبة الزوج الذى يفاجئ زوجته وعشيقها بالقتل حال التلبس بالزنا، وبين عقوبة الزوجة التى تقتل زوجها وعشيقته حال ارتكاب نفس الجرم، حيث تخفف عقوبة الزوج إلى الحبس لمدة تصل إلى 24 ساعة فقط، بعلة الغضب الذى انتابه للقتل غيرة على عرضه وشرفه، بينما سلب الزوجة هذا المبرر والعذر، حيث تعاقب فى هذة الحالة بتهمة القتل العمد بعقوبة قد تصل إلى المؤبد أو الإعدام.
الأغرب مما سبق والمثير للجدل، هو أن العقوبة المقررة للزوج فى قانون العقوبات حال ثبوت ارتكابه جريمة الزنا تختلف بشكل كبير عن عقوبة الزوجة، حيث يعاقب الرجل بالحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر، بينما تعاقب المرأة بالحبس مدة لا تزيد عن عامين، كما أنه حال تنازل الزوج يتم وقف تنفيذ العقوبة، أما الزوجة فليس لها حق التنازل.
إشكالية التمييز فى عقوبة الزنا وطرق إثباته بالقانون المصرى ليست وليدة اللحظة، بل هى أزمة تسببت فى جدل واسع بين الدستوريين والقانونيين منذ عقود طويلة، فكم من دعاوى قدمت للمحكمة الدستورية العليا طعنا على دستورية المواد الخاصة بعقوبة الزنا وتم شطبها أو رفضها، حتى جاء الحكم التاريخى لمحكمة جنح مستأنف بنها، بإحالة نصى المادتين رقمى 274-276 من قانون العقوبات إلى الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريتهما، مرفقة بحيثيات توضح مدى التمييز وغياب المساواة بين الرجل والمرأة فى عقوبة الزنا وطرق إثباته.
للمحكمة سالفة الذكر كل الشكر والتقدير والاحترام على تصديها لأزمة تمتد لأكثر من قرن، كن لى رأى آخر وهو أن يتدخل البرلمان لإنهاء الجدل ورفع الظلم وتحقيق العدل والمساواة، حيث يستطيع مجلس النواب استباق قرار المحكمة الدستورية بإصدار تعديل تشريعى لمواد الإثبات والعقوبة، حتى لا تتعطل المحاكمات، والانتصار لمبدأ المساواة الذى أقره الدستور.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة