نظرة سريعة إلى التاريخ تجعلنا متأكدين من أزلية الصراع بين الشرق والغرب، الذى وصل إلى قوته فى زمن الحملات الصليبية، ولكنه قبل هذه الفترة كان قويا أيضا ومتغيرا فى أهدافه، ففى البداية كان من أجل الاقتصاد وفى النهاية صار من أجل الدين.
يقول كتاب "موجز تاريخ الحروب الصليبيّة فى المشرق الإسلامى وشرقى حوض المتوسّط" للمؤرخ الفرنسى رنيه جروسيه، تمثّل فترة الحروب الصليبية مرحلة من مراحل الصّراع الأوروبى الطويل ضد آسيا، بدأ هذا الصراع منذ أن وجدت أوروبا فى نفسها، متمثلة بالحضارة الهيلينية، القدرة على مواجهة العالم الشرقى المتمثّل آنذاك بالإمبراطورية الفارسية، وهذا ما أدى إلى قيام الحروب الميدية التى تم من خلالها إحكام السيطرة الإغريقية على آسيا (490-469ق.م).
ثم تحت قيادة الإسكندر الأكبر (336-323ق.م) استمرّ الهيلينيون قُدمًا فى حملاتهم التوسعية فأخضعوا الإمبراطورية الفارسية، حتى تجاوزت حدود النّفوذ الأوروپى نهر الهندوس. وأعقب ذلك ردّة فعل آسيوية قام بها الپارثيون فردّوا الهيلينيين على أعقابهم إلى غربى نهر الفرات (129ق.م). وخلال أربعة قرون ونصف منذ عام 64ق.م حتى 395م أخذت روما، وريثة الولايات الإغريقية والوصيّة على الحضارة الهيلينية، على عاتقها مهمّة الدفاع عن هذه الحدود ضد إيران الپارثية، ثم (بدءاً من عام 224م) ضد إيران الساسانية.
بعد ذلك، أخذ الصراع بين روما والعالم الإيرانى منحى خاصاً، فقد تغيّر وجه المسألة الشرقية كلياً عندما قام الإمبراطور قسطنطين Constantin عام 325م باعتناق الديانة المسيحية قطعياً، وازداد عمق هذا التغيير بدءاً من عام 395م عندما تحوّلت الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطورية بيزنطية،واكتسبت بوضوح طابعاً دينياً. وصارت عبارة «الرُّوميّة»Romanité بالمفهوم البيزنطى لهذه الكلمة، مرادفة لمعنى الأرثوذوكسية المسيحية، فيما صارت إيران من جهة أخرى، منذ الإصلاحات الساسانية بها عام 224م، مقترنة بالعقيدة المزدكيّة.
هكذا نرى أن المسألة الشرقية، التى كانت حتى ذيّاك الحين مجرد نزاع عرقى وحضاري، قد أضحت نزاعاً دينياً. وهذا ما أدّى بالنتيجة إلى اندلاع حرب مقدسة بين الطرفين، كالحرب التى شنّها إمبراطور الشرق هراكليوس Héraclius (هرقل) بين عامى 622-628م على الملك السّاسانى خُسرو الثاني. وقد كان الفرس قبل ذلك قد استولوا على أورشليم عام (614م) وانتزعوا منها صليب المسيح الأصلي. ثم فى عام 630م تمكن هراكليوس المنتصر من استرجاع الصليب وإعادته باحتفال مهيب إلى كنيسة القبر المقدّس بالقدس. لقد كانت هذه فى الواقع باكورة ما يسمى بالحملات الصليبية.
الفتوحات الإسلامية
بينما كانت فارس وبيزنطة تنهكان نفسيهما فى أُوار الحروب الطويلة الطاحنة قام النبى محمّد (570-632م) بتوحيد قبائل العرب تحت عقيدة جديدة (الإسلام)، أفضت إلى حثّ العرب لغزو هاتين الإمبراطوريتين فى آن واحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة