مع حلول الذكرى الـ19 لأحداث الحادى عشر من سبتمبر، تبدو الولايات المتحدة على أعتاب معارك ضروس في المرحلة المقبلة، ربما أبرزها الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي ربما تكون الأشرس في التاريخ الأمريكي، إذا ما وضعنا في الاعتبار العديد من المعطيات، أهمها حالة الشد والجذب التي هيمنت على الشارع السياسى بأمريكا طيلة ما يقرب من 4 سنوات، منذ اعتلاء الرئيس دونالد ترامب عرش البيت الأبيض، في يناير 2017، لتصبح تلك الحالة عنوانا مهمة للصراع الانتخابى المقبل.
ولكن بعيدا عن البعد الانتخابى في الصراع السياسى الراهن بين الجمهوريين، والذين يمثلهم الرئيس ترامب، والديمقراطيين، ومرشحهم جو بايدن، تبقى تداعيات 11 سبتمبر قائمة في المشهد السياسى الأمريكي في المرحلة الراهنة، وربما تساهم بصورة كبيرة في توجيه النتائج خلال الانتخابات المقبلة، في ظل الصراع الذى تمخض عنه ذلك الهجوم الإرهابى غير المسبوق، الذى ضرب أمريكا في عقر دارها، والذى تجاوز الماضى في الداخل الأمريكي، وصار أكثر اتساعا في المرحلة الراهنة.
فلو نظرنا إلى المرحلة التي أعقبت الحدث الإرهابى، والذى يبقى الأبرز في تاريخ السياسة الدولية الحديثة، نجد أن ثمة صراع بدأ في الداخل الأمريكي، بين التيارات المحافظة، ومعهم قطاع كبير من المواطنين الأمريكيين، والشارع المسلم، وهو ما يرجع في الأساس إلى سياسات الإدارة الحاكمة في تلك الفترة، بقيادة الرئيس الأسبق جورج بوش، والتي شنت دعايا عدائية استهدفت المسلمين، دأب خلالها الإعلام على الربط بين الإرهاب والدين الإسلامي، وهى الحالة التي امتدت إلى حد كبير إلى العديد من العواصم الأوروبية الأخرى، وبالتالي تركت تأثيرات سلبية في العلاقة بين الغرب والشرق، في إطار ما يسمى بـ"صراع الحضارات"، والتي تمثل ترجمة عملية لنظرية أرساها المفكر الأمريكي صموئيل هنتنجتون، قبل الأحداث بنحو عقد من الزمان.
إلا أن نظرية هنتنجتون، على ما يبدو تحورت في المرحلة الحالية، لتمتد إلى نطاق أوسع، فلم يعد الصراع بين المسلمين والتيار المحافظ، سواء في أمريكا أو الغرب، وإنما انتقل ليشمل الأقليات العرقية، في ظل حالة الغليان التي شهدها المجتمع الأمريكي ومن وراءه مجتمعات أخرى في الغرب الأوروبى، على خلفية مقتل عدة مواطنين من ذوى الأصول الإفريقية، في مشهد ربما أضاف المزيد من الزخم لحالة الصراع المجتمعى، على خلفية حرب تكسير العظام القائمة فعلا بين التيارات الليبرالية من جانب، واليمين الصاعد بقوة من جانب أخر.
يبدو حالة الاستقطاب الراهنة، على خلفية إثارة النزعة العنصرية، من شأنها التأثير بصورة أو بأخرى على نتائج الانتخابات الأمريكية، على غرار ما حدث في سنوات ما بعد أحداث 11 سبتمبر، فقد استثمرها بوش أولا عبر حروبه المتتالية التي شنها على أفغانستان ثم العراق، تحت شعار "الحرب على الإرهاب"، بينما كانت مدخلا لأوباما بعد ذلك عبر تبنى شعار المصالحة مع المسلمين، وهو ما أتى بثماره، في ظل الخسائر التي تكبدها الأمريكيين، سواء اقتصاديا أو عسكريا، جراء الحروب المتتالية.
وهنا يمكننا القول بأن الحالة العنصرية الراهنة، خاصة في الولايات المتحدة، تمثل حالة تتشابه إلى حد كبير مع تلك التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر، يسعى كل مرشح لاستثمارها، فالرئيس ترامب يراهن على ما يمكننا تسميته بـ"هوى" الشارع الأمريكي عبر مجابهة الهجرة، وتبنى موقفا يبدو متوائما مع توجهاته العنصرية، بينما يحاول بايدن استلهام خطاب أوباما التصالحى، في محاولة لكسب أرضية أكبر في الانتخابات المقبلة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة