ذهبت إلى المشير عبد الرحمن سوار الذهب(ت2018) في غرفته بأحد فنادق مملكة البحرين، حيث كان في زيارتها بصفته رئيسا لمنظمة الدعوة الإسلامية العالمية، وهناك فرع للمنظمة بالمنامة.
كان الرجل متواضعا بسيطا يرتدي الزي السوداني الوطني، ويخشى الكلام في السياسة، لأنها في رأيه تفرق ولا تجمع، بالإضافة إلى كونه يرأس منظمة للإغاثة تقوم بنشاط أفريقي وعربي، يجب أن يكون محايدا.
سألته عن رأيه في وضع العالم الإسلامي؟ تنفس قليلا وقال جملة تعتبر حكمة من التراث"في فمي ماء " أي كلام كثير أعجز عن قوله، هذه أصعب فترات مرت على العالم الإسلامي المتفرق وسط نزاعات داخلية وحروب طائفية، مكنت تنظيم داعش المزروع من الغرب لضرب الأمة العربية من الداخل والعمل على تقسيمها وتفتيت وحدة أراضيها، وزرع الفتن الطائفية.
كانت نظرية المؤامرة تشغل سوار الذهب، ربما لخلفيته الاستراتيجية، وطبيعة الأدوار التي قام بها في تاريخ السوداني المعاصر، كأول رئيس يسلم السلطة للأحزاب السياسية بعد الاطاحة بحكم جعفر نميرى(أبريل 1985). فهو يرى أن وفاة جون قرنق زعيم جنوب السودان مؤامرة غربية مدمرة، بسبب توجهاته المعادية لسياساتهم في المنطقة.
فجأت سوار الذهب بسؤالي لماذا سلم السلطة لأحزاب الأنصار (أتباع المهدي) والختمية(أتباع الميرغني) ، وهي أصلا بسبب تناحرها وانقساماتها الداخلية؟.. لم يكن الرئيس سوار الذهب بريد الخوض مطلقا في السياسة، قديما أو حديثا أو ساس ويسوس، وقال لي: أنا على مسافة واحدة من الجميع، وفي فترة من الفترات قطعت أوغندا علاقتها مع السودان إلا أنا ومنظمة الدعوة وجدد لنا خمس سنوات للعمل على الأراضي الأوغندية وقال لي يوري موسفني"مرحبا بكم في أي وقت في بلدكم الثاني أوغندا، فأنتم شخصية محل تقدير واحترام الجميع، وتعملون في مجال التعليم والصحة والخدمات التي أهملها الاستعمار الغربي لافريقيا، ومنظمتك لا علاقة لها بالسياسة".
أعدت السؤال بأكثر من صيغة وإلحاح، من نوعية كيف تقوم بعمل ولا تنجزه بدعوة الزهد؟ فقال سوار الذهب بعد أن أدرك أني لن أخرج من عنده إلا بإجابة شافية كافية:"تعلم يابني أن مسألة الشورى والعمل الديمقراطي مسألة عالمية، ولم يكن السودان وقتها بحكم تردي الأوضاع يتحمل أي عقوبات دولية نتيجة انقلابات أو استيلاء على السلطة، ولذلك استمر حكمنا عام واحد، هيأت فيها الأوضاع للانتخابات وتسليم السلطة للمدنيين، حفاظا على مصلحة البلاد والعباد"
كان سوار الذهب - رحمه الله، حكيما ومحنكا لدرجة اعتقد الجميع فيها أنه يمثله، أنصار الإسلام السياسي طلبوا وساطته مرارا وتكرارا لتحسين علاقتهم في بعض الدول، والتي ساءت بسبب تصرفاتهم الشوفينية واستبدادهم باسم الدين. والرجل كان يتحرك بحكم مناصبه الدولية، وخدمة الإسلام، لكنه كان طيبا إلى حد كبير، هؤلاء بعيدون عن جوهر الإسلام الحقيقي وتعاليمه السمحة.
تتفق أو تختلف مع سوار الذهب، إلا أنه تنبأ بما يحدث حاليا في بيروت والعراق وكل مكان فيها انقسامات مذهبية، وهو كان يدعو لإسلام بلا مذاهب أو أحزاب.. إسلام الخير والتنمية ومصلحة الإنسان.. افتقدنا حكمة شخصيات تاريخية في زمن الانقسام العربي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة