نزل محمد فائق فى مطار «ليوبولدفيل» عاصمة الكونغو، وكان فى مهمة كلفه بها الرئيس جمال عبد الناصر لمقابلة «لومومبا» رئيس الحكومة وقائد النضال الوطنى لاستقلال بلاده عن الاحتلال البلجيكى.
كانت الزيارة أثناء الانقسام فى الكونغو نتيجة رفض لومومبا إقالته بقرار رئيس البلاد «كازافوبو»، وبإيعاز من بلجيكا والمخابرات الأمريكية، وانتقل أنصار «لومومبا» إلى مدينة «استانلى فيل»، وانقسمت البلاد بين حكومتين، واحدة فى «ليوبولدفيل»، والثانية فى «استانلى فيل»، وأيدتها مصر، وطالب «لومومبا» بإرسال قوات من الأمم المتحدة لمواجهة حالة الفوضى، وشاركت مصر بقوات من المظلات بقيادة العقيد سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب الجيش المصرى أثناء حرب أكتوبر 1973.. «راجع، ذات يوم ،2 أغسطس 1961».
يكشف «فائق» مشاهداته فو وصوله إلى المطار: «اتضح لنا بمجرد الوصول أن الحكومة الكونغولية لا سيطرة لها على المطار، فكانت هناك قوة تابعة للأمم المتحدة تعسكر داخل المطار، لكنها لا تتدخل فى حركة الطائرات ولاحركة المسافرين، وإلى أن أصبحنا خارج «ليوبولدفيل» لم نقابل مسؤولا واحدا يسأل عن جوازات السفر وإجراءات الجمارك أو غيرها من الإجراءات.. كانت هناك فوضى لدرجة أن قائد الطائرة وطاقمها اضطروا للبقاء فى المطار لحراسة الطائرة، لحين انتهاء مأموريتنا.. وافترشوا الأرض تحت جناح الطائرة احتماء من حرارة الشمس المحرقة».
يعلق «فائق»: «هكذا كان حال الكونغو، حالة من الفوضى، فالأجهزة الإدارية والفنية مازال يرأسها ويتحكم فيها الاداريون والفنيون البلجيك، ولا يتعاونون مع السلطة الشرعية، والوطنيون تسلموا الحكم ولكن الخيوط اللازمة لتشغيل دفة الأمور لم توضع فى أيديهم.. وهكذا أراد البلجيك للبلاد أن تصل إلى حالة من الشلل والفوضى».
بلغت الحالة ذروتها باغتيال لومومبا يوم 17 يناير 1961، بطريقة اهتز لها ضمير الإنسانية، وكان عبدالناصر هو الذى كشف الخبر إلى العالم يوم 13 فبراير 1961، حسبما يذكر محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان»، وبعد أن نقله إليه سفير مصر هناك الدكتور مراد غالب وفقا لمذكراته «مع عبد الناصر والسادات»، مشيرا إلى أنه قبل الاغتيال تم تهريب أبناء لومومبا إلى القاهرة فى عملية سرية وعاشوا فى مصر، وتعلموا فى مدارسها وجامعاتها تحت رعاية عبد الناصر شخصيا.
ظلت حالة الانقسام حتى نجحت الأمم المتحدة فى توحيد البلاد، ووفقا لفائق، فإن البرلمان الكونجولى عقد اجتماعه يوم 2 أغسطس 1961 بعد توحيده، وانتخب «سيرل أدولا» رئيسا للحكومة، وانتخب «جيزنجا» زعيم الثوار فى «استانلى فيل» نائبا لرئيس الوزراء، وأصبح هناك حكومة مركزية يؤيدها «اللومبيون»، ووجدت الحكومة الجديدة ترحيبا من جميع الدول الأفريقية، وأيدتها مصر.
أسرعت الحكومة الجديدة بإقامة تمثيل لها فى القاهرة.. يؤكد فائق: «قمنا بتصفية جميع العلاقات العسكرية التى كانت قائمة مع التنظيمات الثورية فى الكونغو، وأوقفنا كل نشاط آخر يمكن أن يثير شكوك الحكومة الجديدة فى «ليوبولدفيل».. يكشف فائق، أن حكومة الثوار فى «استانلى فيل» كانت نقلت كمية كبيرة من الذهب إلى القاهرة لمواجهة المصروفات المتزايدة لتوفير احتياجاتها من الخارج، وتم إيداع هذه الكمية من الذهب فى البنك المركزى المصرى فى القاهرة باسم «حكومة الكونغو»، وفتح حساب بضمان جزء من الذهب باسم «البعثة الكونغولية» فى القاهرة برئاسة موليلى، وذلك للإنفاق منه حسب متطلبات حكومة الثورة.
يؤكد فائق: «بعد المصالحة تم تسليم كمية الذهب المودعة فى القاهرة للحكومة الجديدة عدا الجزء المحتجز مقابل المسحوبات، وأبدت القاهرة استعدادها لتسليم هذا الجزء المحتجز إذا قامت حكومة الكونغو بسداد المبالغ المسحوبة وفوائدها أوبيع هذا الجزء إذا رغبت على أن يعاد أى فائض إليها بعد استحقاق البنك».
يكشف «فائق» أن «موليلى» طلب أن يبقى الذهب كله فى القاهرة لحساب الثوار احتياطيا لما قد تتطور إليه الأمور، ولكن عبد الناصر رفض باعتبار أن هذا الذهب ملك لشعب الكونغو، وجاء باسم الحكومة التى كنا نعترف بها، أما وأنه أصبح فى الكونغو حكومة واحدة يعترف بها الثوار أنفسهم فيجب أن يعود الذهب فورا إلى هذه الحكومة التى نعترف نحن أيضا بها».
يؤكد «فائق»: «سويت الحسابات بالفعل بعد فترة، ولكن بعد أن أوصلت الفوائد الدين إلى الحد الذى غطى فيه قيمة جزء الذهب المحتجز كله، وكان زاد عنه مبلغ بسيط، وكانت التسوية بأن تنازلت حكومة الكونغو عن هذا الجزء للبنك المركزى مقابل الدين، وتنازل «المركزى» عن الفرق بين ثمن الذهب والدين، بعد تراكم الفوائد..ومازال البنك المركزى فى القاهرة يحتفظ بكل الوثائق المتعلقة بهذا الموضوع».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة