"فيروس كورونا يعيد كتابة خيالنا" لـ كيم ستانلى روبنسون ترجمة عادل ضرغام

الأحد، 03 مايو 2020 06:15 م
"فيروس كورونا يعيد كتابة خيالنا" لـ كيم ستانلى روبنسون ترجمة عادل ضرغام الدكتور عادل ضرغام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ترجم الدكتور عادل ضرغام وكيل كلية دار العلوم جامعة الفيوم مقال "فيروس كورونا يعيد كتابة خيالنا" للكانب الأمريكى كيم ستانلى روبنسون عن فيروس كورونا وما نعانى منه هذه الأيام، والتى جاء فيها.
 
كتب الناقد ريموند ويليامز ذات مرة أن كل فترة تاريخية (لها بنية شعور) خاصة بها، كيف بدأ كل شىء فى الستينيات، وفهم الفكتوريون بعضهم البعض، وفروسية العصور الوسطى، ورؤية العالم لأسلاف تانج حكام الصين: كل فترة - كما يعتقد ويليامز- لديها طريقة مميزة فى تنظيم العواطف البشرية الأساسية فى النظام الثقافى العام. كل فترة لها طريقتها فى مقاربة الحياة.
 
فى منتصف مارس الماضى قضيت أسبوعا فى التجديف فى جراند كاينون، عندما بدأت رحلتى كانت الولايات المتحدة لا تزال فى بداية تصديها لفيروس كورونا المتفشى. إيطاليا تعانى، وعلق اتحاد كرة السلة الأمريكى نشاط الموسم، وأعلن توم هانكس مرضه، عندما عدت فى التاسع عشر من مارس، أصبح العالم مختلفا، قضيت عمرى أكتب روايات الخيال العلمى التى تحاول تصوير بعض غرابة المستقبل، ولكنى ما زلت مصدوما من طبيعة التغير والسرعة.
 
أغلقت المدارس والحدود، وطلب محافظ كاليفورنيا مثل بعض المحافظين فى أماكن أخرى من السكان البقاء فى المنزل، ولكن التغيير الذى أصابنى بدا داخليا ومبهما، لقد كان تغييرا فى الطريقة التى ننظر بها إلى الأشياء، ولا يزال التغيير مستمرا. فالفيروس يعيد كتابة خيالنا، فما كان مستحيلا أصبح ممكنا، فقد أصبح لدينا شعور مختلف بوضعنا ومكاننا فى التاريخ، أصبحنا نعى أننا ندخل عالما جديدا، وعصرا جديدا، ويبدو أننا نتعلم أسلوبنا الخاص فى الدخول إلى بنية جديدة من الشعور.
 
ستانلى روبنسون
 
لقد تأخرنا كثيرا بأشكال مختلفة عن هذا التحول. كنا معزولين فى مشاعرنا عن الزمن الذى نعيش فيه، فنحن فى ظل التأثير البشرى على جيولوجيا الأرض، أو التسارع الكبير، أو عصر تغير المناخ - مهما كان الاسم الذى تريد إطلاقه - لم نتوافق مع المحيط الحيوى، ونهدر آمال أطفالنا فى الحياة الطبيعية، وندمر رأس مالنا البيئى، كما لو كان الدخل المتوفر تدمير منزلنا الوحيد والمتاح، بشكل يتجاوز قدرة أحفادنا فى الإصلاح. وكنا نتحرك بالرغم من ذلك كما لو كنا فى فترة 1990 و2000، حيث كانت ترتيبات الليبرالية الجديدة التى شكلت فى تلك الفترة لا تزال منطقية. لقد أصابنا الشلل، نعيش فى العالم دون أن نشعر به.
نتصرف الآن فجأة بسرعة كحضارة. نحن نحاول- بالرغم من العوائق العديدة- تسوية المنعطف، حتى نتجنب الموت الجماعي. ونحن من خلال القيام بذلك ندرك أننا نعيش فى لحظة ذات أهمية تاريخية. وندرك –أيضا- أن ما نقوم به سواء أكان جيدا أم سيئا سيتم تذكره لاحقا. هذا الشعور بسنة وفاعلية التاريخ مهم، لأنه يعوّض جزئيا البعض منا عن تعطيل حياتنا.
الدكتور عادل ضرغام
 
نحن- بالفعل- نعيش فى لحظة تاريخية. على مدى العقود القليلة الماضية، تم استدعاؤنا للعمل، وكنا نتحرك ونتصرف بطريقة سيتم فحصها من قبل أحفادنا، نشعر الآن بذلك. يرتبط التحول بتركيز وعمق وشدة ما يحدث. كان يوم 11 سبتمبر يوما واحدا، وشعر الجميع بصدمة ذلك اليوم، ولكن عاداتنا اليومية لم تتغير إلا فى المطارات، حتى إن الرئيس نفسه كان يحثنا على مواصلة التسوق. ولكن هذه الأزمة مختلفة، فهو خطر بيولوجى عالمي، وعلى كل فرد أن يتغير مع الآخرين للتعامل معه. هذا هو التاريخ حقا.
 
يبدو أن العلم يتم احتشاده إلى حالة درامية مثيرة، ولكن هذا الانطباع هو مجرد طريقة أخرى للانعزال والتخفى خلفها. هناك 7.8 مليار شخص على هذا الكوكب، وهو إنجاز غير طبيعى وغير مستقر، لقد أصبح ذلك الإنجاز ممكنا بفضل العلم الذى ينقذنا بالفعل. وعندما وقعت الكارثة فى الوقت الحالى نجد أننا- بالرغم من فهمنا لتعقيدات ومشاكل حضارتنا- نشعر بالواقع الفعلي، وهو أن النظام بأكمله ارتجال تقنى يمنعه العلم من الانهيار.
 
سلّم معظمنا-على المستوى الفردى - بأننا نعيش فى عصر علمي. إذا شعرت بالمرض تذهب للطبيب، وهو بالفعل عالم، هذا العلم يختبرك، ثم يطلب منك أحيانا تعاطى السم حتى تتمكن من الشفاء، وأنت تستجيب وتتناول السم. لقد تأخرنا على المستوى المجتمعي. يعرف الجميع كل شيء من الناحية النظرية. فنحن ندرك أن التغيير العرضى فى الغلاف الجوى سيؤدى إلى حدث انقراض جماعي، وأننا بحاجة إلى التحرك بسرعة لتفادى ذلك، ولكننا لا نتصرف بناء على ما نعرفه. لا نريد أن نغير عاداتنا. هذه المعرفة دون تغيير الفعل هى جزء من البنية القديمة للشعور.
 
الآن جاء المرض الذى يمكن أن يقتل أى شخص على هذا الكوكب، إنه غير مرئي، وينتشر بسبب الطريقة التى نتحرك ونتجمع من خلالها. لقد تغيرنا على الفور، فنحن نراقب كمجتمع الإحصائيات، ونتبع التوصيات، ونستمع إلى العلماء. هل نؤمن بالعلم؟ تحرك إلى الخارج وسوف تبصر الدليل فى كل مكان تنظر إليه. لقد تعلمنا أن نثق فى العلم كمجتمع، وهذا جزء آخر من بنية الشعور الجديدة.
 
شوارع أمريكا
 
ربما فى غضون بضعة أشهر سنعود إلى نسخة جديدة من الوضع الطبيعى القديم، ولكن هذا الربيع لن ينسى. عندما يحدث وتضرب الصدمات الحضارة العالمية سنتذكر كيف تصرفنا فى تلك اللحظة، وكيف تعاملنا معها. فيروس كورونا ليس تدريبا على ارتداء الثوب، فهو مميت للغاية، ولكن لأنه أولى الكوارث التى من المحتمل أن تتكشف خلال هذا القرن، وعندما تأتى ساعتها سنكون على دراية بهذا الشعور.
 
ما هى الصدمات القادمة؟ الكل يعرف كل شيء. هل تذكر عندما نفدت المياه من كيب تاون؟ من المحتمل أن يكون هناك المزيد من نقص المياه، ونقص الغذاء، والكهرباء، والعواصف المدمرة، والجفاف والفيضانات. كل هذه أعراض سهلة تم تشكيلها من الموقف الذى خلقناه جزئيا من خلال تجاهل التحذيرات التى يصدرها العلماء منذ الستينات. بعض الصدمات سيكون محليا، والبعض الآخر سيكون إقليميا، ولكن الكثير منها سيكون عالميا، لأننا - كما أوضحت لنا الأزمة الآنية- مترابطون فى المحيط الحيوى والحضارة.
 
تخيل ماذا يفعل الخوف من نقص الطعام، تخيل موجة حر ساخنة بما يكفى لقتل أى شخص، لا يجلس فى مكان مكيف، ثم تخيل حدوث انقطاع فى الطاقة أثناء هذه الموجة الحرارية(الرواية التى انتهيت منها للتو تبدأ بهذا المشهد، لذلك يخيفنى من أى شيء آخر، تخيل الأوبئة الأكثر فتكا من فيروس كورونا. هذه الأحداث وغيرها من الأحداث المماثلة، من السهل تخيلها الآن، عما كانت عليه فى يناير، عندما كانت مادة لروايات ديستوبيا الخيال العلمي. لكن الخيال العلمى هو الواقعية فى عصرنا. فالإحساس بأننا جميعا عالقون فى رواية خيال علمى نكتبها معا، يمثل علامة أخرى على بنية الشعور الناشئة.
 
كتّاب الخيال العلمى لا يعرفون شيئا عن المستقبل أكثر من أى شخص آخر. التاريخ البشرى لا يمكن التنبؤ به. فمن هذه اللحظة يمكن أن ننزلق إلى حالة انقراض جماعي، أو نرتقى إلى عصر الرخاء أو الازدهار العام. وإذا قرأت- بالرغم من ذلك- قصص الخيال العلمى ربما تكون أقل اندهاشا مما يحدث. فقصص الخيال العلمى غالبا تتبّع تداعيات تغيير واحد مفترض، ويشترك القرّاء فى تشكيل وإنشاء الحكم على معقولية إبداع الكتاب، واستجواب ومساءلة نظرياتهم عن التاريخ. القيام بذلك بشكل متكرر ومتعمد نوع من التدريب يمكن أن يساعدك على الشعور بمزيد من التوجه نحو التاريخ الذى نصنعه الآن. هذا الانتشار الراديكالى للإمكانيات من الجيد إلى السيء يخلق نوعا من هذا الارتباك العميق. هذا الوعى المبدئى للمرحلة القادمة التى تتخلق، يشكل أيضا مشاعر جديدة بعصرنا.
 
تذكار موري: يذكرك بأنه يجب أن تموت. كبار السن غالبا أفضل فى وضعهم تلك الحقيقة فى الاعتبار من الشباب. ونحن جميعا- بالرغم من ذلك- عرضة لنسيان الموت. لا يبدو الأمر حقيقيا حتى النهاية، وحتى تلك اللحظة يصعب تصديقه. حقيقة الموت شيء آخر نعرفها، ولكن لا نشعر بها. لذلك فإن هذا الوباء يولد شعورا بالذعر: سنموت جميعا، نعم، هذا حقيقي، الآن، ربما بعد شهر. هذا هو الاختلاف.
 
فى الشوارع
 
عندما كنا نتنزه فى سيرا أنا وأصدقائي، نقع فى بعض الأحيان فى عاصفة رعدية، وعندما تدهمنا بشكل كامل نسرع نحو المرتفعات الصخرية، ونشاهد الصواعق تتصاعد من العدم، وتتداخل فى مكان قريب، وينفجر الرعد بعد أقلّ من ثانية. هذا يجذب انتباهك: الموت، كل شيء ممكن للغاية!، لكن أن يكون بداخلك هذا الشعور فى حياتك اليومية، وفى المنزل، ويمتد على مدى أسابيع، فهذا أمر غريب جدا، وفى الاستمرار به. أنت قد تتعود جزئيا على ذلك، ولكن ليس دائما للأبد. هذا المزيج من الرهبة والفزع بوصفه نمطا طبيعيا هو إحساس بالطاعون الحر الفضفاض، ويمكن أن يكون جزءا من بنية الشعور الجديد أيضا.
 
هناك أفكار ضخمة وجذابة، تماما مثل الحيوانات الضخمة والجذابة. يمكن أن تكون(تسوية المنحنى) واحدة منها. هناك وباء معدٍ ومميت ينتشر بسهولة، وبالرغم من أننا لا نستطيع تجنبه تماما، فيمكننا تجنب ارتفاع عدد كبير فى الإصابات، حتى لا تربك المستشفيات، ويموت عدد أقل من الناس. هذا منطقي، وهو أمر يمكننا جميعا القيام به، وعندما نفعل ذلك- إذا فعلنا- فسيكون ذلك إنجازا حضاريا: الشيء الجديد الذى تستطيع جميع فصائلنا العلمية والمتعلمة ذات التقنية العالية القيام به. معرفة أن بإمكاننا العمل بشكل متضافر عند الضرورة شيء آخر سيغيرنا.
 
يتحدث الأشخاص الذين يدرسون التغيرات المناخية عن (مأساة الأفق). المأساة هى أننا لا نهتم بشكل كاف بهؤلاء الأشخاص المستقبليين، الأحفاد الذين يتعين عليهم البقاء على قيد الحياة، أو إصلاح الكوكب الذى نسحقه الآن. نود أن نفكر أنهم سيكونون أكثر ثراء وذكاء مما نحن عليه، وقادرين على التعامل مع مشاكلهم الخاصة فى زمنهم، ولكننا نحن نخلق لهم مشاكل لن يتمكنوا من حلها.
 
لا يمكنك إصلاح الانقراض أو الفناء، أو تحميض المحيطات**، أو إذابة التربة المجمدة، مهما كنت ذكيا أو غنيا. حقيقة أن هذه المشاكل سوف تقع فى المستقبل، تتيح لنا أن نلقى نظرة سحرية عليها. وتستمر فى تفاقمها، ونفكر- وليس هذا ما نعتقده، ولكن الفكرة أساس تحركنا- بأننا سنموت قبل أن تصبح خطيرة للغاية. مأساة الأفق غالبا ما تكون شيئا نواجهه، دون أن نعرفه، عندما نشترى أو نبيع. السوق خاطئة، الأسعار منخفضة للغاية. أسلوبنا فى الحياة له تكاليف بيئية، لا يتم تضمينها فى ما ندفعه، وسوف يتحمل أحفادنا هذه التكاليف. نحن نقوم بتشغيل مخطط بونزي*** متعدد الأجيال. 
 
ومع ذلك فإن تسوية المنحنى معناه أننا نواجه الآن نسخة مصغرة من مأساة الأفق الزمني، فقد قررنا التضحية فى هذه الأشهر القليلة، حتى لا يعانى الناس فى المستقبل معاناة أكبر من معاناتهم فى لحظتهم الزمنية. فى هذه الحالة سيكون المدى الزمنى قصيرا جدا، لدرجة أننا سنصبح شعب المستقبل. من الصعب أن تعيش فى أزمة ممتدة طويلة الأمد لن تنتهى فى عمرنا الزمني، ولكن من المفيد أن نلاحظ أننا جميعا قادرون على التعلم لتوسيع اهتمامنا بطول الأفق الزمني.
وسط المأساة والموت، هناك مصدر للبهجة. بالرغم من أن نظامنا الاقتصادى يتجاهل الحقيقة، فيمكننا العمل معا عندما نضطر إلى ذلك، فعلى الأقل كلنا مرعوبون معا. إن هذا الشعور الجديد الخاص بروح التضامن- من وجهة نظري- هو أحد الأشياء القليلة المطمئنة التى حدثت فى هذا القرن. إذا استطعنا العثور عليها فى هذه الأزمة لإنقاذ أنفسنا، فربما يمكننا استخدامها فى الأزمة الكبيرة لإنقاذ أطفالنا وأطفالهم.
 
قالت مارجريت تاتشر(لا يوجد شيء اسمه المجتمع)، وقال رونالد ريجان(الحكومة ليست لحل المشكلة، الحكومة هى المشكلة). مثل هذه الشعارات الغبية وضعت إشارة أو علامة للابتعاد عن إعادة الإعمار فى فترة ما بعد الحرب، وعززت الكثير من هراء السنوات الأربعين الماضية.
 
نحن أفراد أولا، نعم، تماما مثل النحل، ولكننا نعيش فى إطار اجتماعى أكبر. المجتمع ليس حقيقة فقط، أنه أساس لا يمكننا العيش بدونه. فقد بدأنا نفهم فى تلك اللحظة أن هذه (النحن) تشمل العديد من المخلوقات والمجتمعات الأخرى فى مجالنا الحيوي، وحتى فى أنفسنا. فحتى لو كنت فردا فأنت عبارة عن نظام بيولوجى أو بيئى مثل الغابة أو المستنقع، أو الشعاب المرجانية. تحتوى بشرتك بداخلها على جميع أنواع سبل التعاون غير المحتمل، وتعتمد فى بقائها على عدد من أنواع العمليات التى تتم كل مرة داخلك.
 
إننا مجتمعات تتوالد من مجتمعات، لا يوجد شيء غير المجتمعات. هذه تحديدات مروعة، تتطلب رؤية جديدة للعالم بالكامل. عندما يخرج أولئك الذين يحتمون بالمكان الآن، ويرون الجميع يرتدون أقنعة، ستبدو المشاركة مع الغرباء أمرا مختلفا. هذه المعرفة الخاصة- وجها لوجه بالرغم من كوننا نمارس التباعد الاجتماعى عندما نريد- تكشف عن إننا لا نريد أن نكون اجتماعيين فقط، بل عن حتمية أن نكون اجتماعيين إذا أردنا البقاء. إنه شعور جديد، التضامن والاغتراب فى آن واحد، هذه حقيقة اجتماعية تتجلى فى الوجود الملموس لمجتمع الغرباء، بحيث يعتمدون على بعضهم البعض من أجل البقاء، يبدو الأمر كما لو أن واقع المواطنة قد ضربنا فى وجوهنا.
 
أما بالنسبة للحكومة فهى الحكومة التى تستمع إلى العلم، وتستجيب لاتخاذ إجراءات لحمايتنا. توقف عن التفكير فيما يعوق أداء تلك الحكومة، من يعارض ذلك؟ نحن الآن نسمع بيانين يتم تقديمهما، الأول من الرئيس ودائرته: علينا توفير المال حتى لو كلف ذلك الأرواح، والأخير من مراكز السيطرة على الأمراض والمنظمات المماثلة: علينا إنقاذ الأرواح حتى لو تكلف الأمر مالا. ما الأهم،  المال أم الأرواح؟ المال سترد الرأسمالية والمتحدثون باسمها. حقيقي؟ سيرد الناس متشككين. هل يبدو هذا أمرا بعيدا جدا؟ حتى لو كانت الحكمة الشائعة؟.
 
بعض الناس لا يمكنهم البقاء معزولين، ولا يزالون يقومون بأعمالهم ووظائفهم. لو كانت وظائفهم مهمة بما فيه الكفاية، فعليهم تعريض أنفسهم للمرض. يعمل ابنى الأصغر فى محل بقالة، هو الآن أحد عمال الخط الأمامى الذين يشاركون فى استمرار الحضارة.
 
ابنى الآن بطلى. وهذا شعور جيد، أعتقد أن هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يزالون يعملون من أجل البقية منا. لو واصلنا التفكير بهذه الطريقة، فإن بنية الشعور الجديدة، ستكون أفضل من التى سيطرت خلال الأربعين سنة الماضية.
 
تتداعى وتتفكك بنية شعور الليبرالية الجديدة. ما الذى قد تتضمنه استجابة أو رد الفعل ما بعد الرأسمالية لهذه الأزمة؟ ربما تخفيف الإيجار والديون، مساعدات البطالة لكل المسرّحين من العمل، التوظيف الحكومى لتتبع الاتصال وتصنيع المعدات الصحية اللازمة، واستخدام الجيوش لدعم الرعاية الصحية، البناء السريع للمستشفيات.
ماذا بعد ذلك، عندما تنحسر الأزمة. وتلوح فى الأفق أزمة أكبر، فإذا كان مشروع الحضارة- ويشمل العلوم والاقتصاد والسياسة، وكل ما يتبقى منها- سيجعلنا جميعا الثمانية بلايين نسمة نعيش فى توازن مستمر طويل الأمد مع المحيط الحيوى للأرض، فيمكننا القيام بذلك. وعندما يكون مشروع الحضارة- على النقيض من السابق- هو تحقيق الربح الذى بطبيعة تعريفه يذهب إلى عدد قليل فقط، فإن الكثير مما نقوم به يضر بشكل قوى آفاق جنسنا على المدى الطويل. الكل يعرف كل شيء. السعى إلى الربح بوصفه الهدف النهائى لجميع أنشطتنا سيؤدى إلى حدوث انقراض جماعي. يمكن للبشرية أن تنجو، لكنها سوف تصاب بصدمة وتمزق وخجل وحزن. قصة خيال علمى مؤلمة للغاية، لا يمكن كتابتها، بالرغم من وضوحها. من الأفضل التكيف مع الواقع.
الاقتصاد نظام لتحسين الموارد، وإذا كان يحاول القيام بحساب طرق تحسين الحضارة المستدامة فى توزان مع المحيط الحيوي، فقد يكون أداة مفيدة. ولكن عندما يتم استخدامه لتحسين الربح، فإنه يشجعنا على العيش داخل نظام للأكاذيب المدمرة. نحن بحاجة إلى نظام اقتصادى جديد، يتم من خلاله إجراء حساباتنا من جديد. نشعر الآن وبشدة إلى هذا الاحتياج.
يمكن أن يحدث، ولكنه ربما لا يحدث. هناك ضغط هائل لنسيان هذا الربيع، والعودة إلى الأساليب القديمة لمقاربة الحياة، ومع ذلك فإن نسيان شيء بهذا الحجم لا يمكن أن يتم أبدا. سنتذكر هذا الشيء حتى لو تظاهرنا بنسيانه. الحدث التاريخى يحدث الآن، وسيستمر فى الحدوث، ولكن ماذا سنفعل تجاه ذلك؟
بنية الشعور ليست شيئا عائما أو زلقا. فهى تقترن بشدة بالاقتصاد السياسى الموازي. فطبيعة الشعور تتشكل من خلال القيم، والعكس صحيح. الغذاء والماء والمأوى والملبس والتعليم والرعاية الصحية ربما نقدر هذه الأشياء الآن بشكل لافت، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يقومون بذلك. للبقاء على قيد الحياة فى القرن القادم، نحتاج إلى البدء فى تقييم الكوكب أكثر، لأنه وطننا الوحيد.
سيكون من الصعب جعل هذه القيم دائمة. تقدير الأشياء الصحيحة، والرغبة فى استمرار تقييمها، ربما يكون هذا أيضا جزءا من البنية الجديدة للمشاعر، مثل محاولة معرفة مقدار العمل الذى يتعين القيام به. لكن ربيع 2020م يوحى بالكيفية السريعة التى يمكن أن نتغير بها. إنها مثل الجرس لبدء السباق. لننطلق إلى زمن جديد. 

* كيم ستانلى روبنسون هو كاتب خيال علمى أمريكى مواليد مارس 1952، يعتبر واحدا من أفضل كتاب الخيال العلمى على قيد الحياه حسب مقال نشرته مجلة نيويوركر الأمريكية. لقد نشر تسعة عشرة رواية والعديد من القصص القصيرة ولكنه معروف بثلاثيته عن المريخ. ترجمت أعماله إلى 24 لغة. تحتوى العديد من رواياته وقصصه على مواضيع إيكولوجية وثقافية وسياسية. 
** تحمّض المحيطات هو اسم أطلق على التناقص الجارى للأس الهيدروجينى PH للمحيطات الأرضية نتيجة زيادة امتصاص هذه المحيطات للانبعاثات ذات المصدر البشرى لثنائى أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. 
***  لعبة بونزي، هو نظام بيع هرمي، وشكل من أشكال الاحتيال من قبل فرسان تعمل على شكل كرة الثلج التى تتمثل فى وعد كبير بالربح، ويمول هذا الربح من تدفق رأس المال نفسه لتستثمر تدريجيا حتى انفجار فقاعة المضاربة.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة