بعد نحو عشر سنوات خرج سيد قطب من السجن بعفو صحى من جمال عبدالناصر يوم «26 مايو، مثل هذا اليوم، 1964»
كان «قطب» يقضى عقوبة السجن لمدة 15 سنة، فى قضية محاولة جماعة الإخوان اغتيال عبدالناصر بميدان المنشية بالإسكندرية يوم 26 أكتوبر عام 1954، واختفى بعدها فى بنى سويف واعتقل يوم 18 نوفمبر 1954، وتم الإفراج عنه بوساطة من الرئيس العراقى عبدالسلام عارف، حسبما يذكر الدكتور محمد حافظ دياب فى كتابه «سيد قطب- الخطاب والأيدلوجيا»، وتشير كتابات عراقية إلى أن المرجع الشيعى العراقى محمد باقر الصدر هو الذى دفع «عارف» للتوسط لدى عبدالناصر، وأن «عارف» أوفد اللواء محمود شيت المفكر الإسلامى المعروف ووزير الأشغال والشؤون البلدية العراقية إلى القاهرة، ليتابع إطلاق السراح»، وفقا لما جاء فى مقال «صفحات مطوية من الأمس القريب «للدكتور أكرم عبدالرازق، جريدة «الزمان» العراقية، عدد 28 يوليو 2005».
غير أن «شيت» نفسه يذكر فى كتاب «زهر البساتين- من مواقف العلماء والربانيين» للدكتور سيد بن حسين العفانى، أنه كان بصحبة «عبد السلام عارف» فى القاهرة، وطلب من «عارف» أن يتوسط لدى صديقه لإخراج قطب من السجن، وبالفعل تحدث عارف مع ناصر ووافق، ويذكر «شيت» أنه طلب من عبدالناصر أن يسمح له بزيارة سيد فى سجنه ليبشره بالقرار فسمح الرئيس بذلك، وجاءت سيارة من القصر حملت شيت إلى السجن، وهناك قال له، أبشرك بالإفراج عنك قريبا جدا، وقص عليه وساطة عبدالسلام عارف.
يرى الكاتب الصحفى عادل حمودة فى كتابه «سيد قطب من القرية إلى المشنقة» أن الوساطة العراقية لم تكن تعنى أن الرئيس عبدالناصر لم ير أن حالة قطب الصحية لم تعد تحتمل المزيد من الحبس، كما أنه على ما يبدو تصور أن تدهور صحته لن يعيده إلى التنظيمات والحركة، ومن المؤكد أنه لم يتخيل أنه يقود تنظيما جديدا، وأن كتابه «معالم فى الطريق» سيكون الراية الجديدة للإخوان، فقد أمر عبدالناصر بالإفراج عن الكتاب بعد أن طبع وصادرته الرقابة على الكتب، وجاءته عينات وقوائم الكتب المصادرة.. يضيف حمودة، أن السفير العراقى فى القاهرة زار قطب بعد الإفراج عنه، وحمله رسالة شكر إلى الرئيس عارف، وطلب فيها أن يواصل مساعيه لإنهاء قضية الإخوان بجملتها، وعرض عليه السفير العراقى الذى أصبح وزيرا للتربية والتعليم، أن يعمل فى العراق كخبير فى التربية ومناهج التعليم، وكان من رأى عمر التلمسانى أن يقبل ويسافر بلا تردد إلى بغداد.
كان «قطب» ينتج فكريا بشكل ملحوظ أثناء فترة السجن، ويذكر «الدكتور شريف يونس فى كتابه «سيد قطب والأصولية الإسلامية»، أنه قام بتأليف خصائص التصور الإسلامى ومقوماته (جزء أول)و«الإسلام ومشكلات الحضارة» عام 1962، و«هذا الدين» و«المستقبل لهذا الدين»، وينشر بعد خروجه «معالم فى الطريق»، وينقح كتابيه «العدالة» و«السلام العالمى والإسلام»، وينقح ثلاثة أجزاء إضافية من «الظلال»، واللافت أن هذه الكتابات تم نشرها فى مصر خلال العهد الناصرى الذى ناصبه قطب العداء، والأكثر إثارة، أنه أنجز العديد منها أثناء عقوبة سجنه.. يذكر حلمى النمنم فى كتابه «سيد قطب وثورة يوليو»: «المؤكد أن صحة سيد قطب المتدهورة أنقذته من المكوث طوال الوقت بالسجن، فقد كان دائم التردد على المستشفى للعلاج، ولذلك كان يحجز فى مزرعة ليمان طرة، ويبدو أن ظروفه داخل السجن كانت أفضل كثيرا من الآخرين».
غير أن «يونس» يعترف بأنه لم يجد تفسيرا مرجحا لمسألة غزارة إنتاج «قطب» الفكرى فى ظل العهد الناصرى عامة وفى السجن خاصة، ويفند التفسيرات التى قيلت فى ذلك، ويرفض قول محمد قطب، إن استكمال نشر «الظلال» كان بسبب قضية رفعتها دار النشر ضد الحكومة تطالبها بدفع تعويض عن خسائرها بسبب توقف قطب عن الكتابة فى السجن.
خرج قطب من السجن ليواصل طريق إرهابه، ووفقا لوثيقة «لماذا أعدمونى؟ «المنسوبة إليه»: «التقيت بعد خروجى على التوالى بالشبان: عبدالفتاح إسماعيل، على العشماوى، أحمد عبدالمجيد، وعلمت منهم بعد لقاءات أنهم يكونون بالفعل تنظيما يرجع تاريخ العمل فيه إلى حوالى أربع سنوات».. تولى قطب قيادة هذا التنظيم الذى خطط لاغتيال قيادات الدولة ونسف كبارى وطرق والقناطر الخيرية، وتم الكشف عنه فى أغسطس 1965، وأعدم قطب بسببه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة