وقع أمس حدث غريب بعض الشىء، وخطير كل الشىء، فقد اعتذرت الهيئة المصرية العامة للكتاب عن بث المناظرة الشهيرة التى كان طرفاها المفكر الراحل فرج فودة، ومن الناحية الأخرى إسلاميون منهم الشيخ محمد الغزالى والدكتور محمد عمارة، والتى كان مقررا لها الإذاعة فى تمام الساعة الحادية عشرة مساء الخميس، وجاء سبب الاعتذار بأن قناة يوتيوب الخاصة بوزارة الثقافة تم اختراقها، ووعدت "الهيئة" ببث المناظرة اليوم الجمعة فى الحادية عشرة مساء.. فما الذى يمكن أن نقرأه من هذا الحدث؟.
ما حدث ليس مجرد اعتذار عن فعالية ثقافية، بل الموضوع أكبر من ذلك بكثير، فجميعنا يعرف أن هذه المناظرة التى وقعت فى معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 1992 تسببت بعد 6 أشهر فى اغتيال "فرج فودة"، لذا فإن هذه المناظرة مهمة، بل مهمة جدا، وما حدث يمكن النظر إليه من خلال:
أهمية المناظرة لـ هيئة الكتاب:
يحسب لمن فكر فى إذاعة المناظرة كاملة لأول مرة، فهذا النوع من الثقافة سوف يرفع أسهم الهيئة المصرية العامة للكتاب فى الشارع الثقافى، فها هى تخوض بقوة التحدى وتقف على خط المواجهة بشكل مباشر حتى ولو باستعادة الماضى وهو أمر مهم جدا، ومناظرة فرج فودة ليست أى ماضٍ، إنها إدانة واضحة للمجرمين القتلة الذين ارتكبوا هذه الكارثة، وسعوا لاغتيال رجل يختلف معهم فى الفكر.
ومن ناحية أخرى لا أريد أن أتهم الهيئة بشىء لكن أرى أنها لم تكن مستعدة كما ينبغى لإذاعة هذه المناظرة، وأعتقد أن المسئولين تعاملوا معها بكونها مجرد فعالية ثقافية، نعم مهمة، لكنهم لم يتعاملوا معها بكونها "فعالية خطيرة" وظهر ذلك فى سهولة اختراق "قناة اليوتيوب" وبالطبع فإن اختراق القناة ليس أمرا مستحيلا، لكن أنا واثق أن الهيئة لم تكن تتوقع ذلك، ظنت أن إذاعة المناظرة سوف تتم فى يسر، وأن الجميع سوف يشاهدون ما يحدث، ثم يتذكرون ما حدث من إرهاب فى تلك السنوات، وكان على الهيئة أن تعد البديل فى إذاعة المناظرة حتى لو على صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعى.
فرج فودة والإرهاب
المستوى الثانى الذى يكشفه اختراق قناة يويتيوب الخاصة بوزارة الثقافة هو أن الإرهابيين لم ينسوا أبدا أن اغتيال "فرج فودة" لعنة سوف تطاردهم دائما، لقد قتل الجهلة رجلا لم يحمل السلاح ضدهم، لقد كان يقول أفكاره المختلفة معهم علانية، لكنهم قتلوه غدرا، وهم يعرفون أن من يستمع إلى المناظرة، سوف يرى كيف كان يتحدث "فرج فودة" باحترام لجميع الحاضرين، ولم يقلل من أحد، وذلك يكشف بما لا مجال للشك فيه، أن من قتلوه كانوا أعجز من مواجهته فكريا، فراحوا مثل لصوص الشوارع ومثل رجال العصابات يطلقون النار عليه وهم يركبون دراجة نارية.
ليس هذا فقط فإنهم بعد كل هذه السنوات لم يحتملوا أن تذاع المناظرة، فراحوا يعبثون، بما يؤكد، خوفهم الدائم من مواجهة الحقيقة، وممن يكشف زيفهم وكذبهم ويقول للناس إنهم مجموعة من القتلة لا علاقة لهم بإسلام أو بأى دين.
فى انتظار الإذاعة
ونحن اليوم فى انتظار إذاعة المناظرة، وأرجو من وزارة الثقافة كلها أن تهتم بهذه المناظرة، وأن توليها أهمية كبرى، وتسخر كل ما تملكه فى بثها، لأن معناها كما قلنا فى البداية يتجاوز فكرة بث مناظرة ثقافية، إنها حلقة مهمة نحتاجها فى مواجهة المتطرفين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة