فقهاء أثاروا الجدل فى التاريخ الإسلامى.. ابن تيمية والذهلى وابن حزم

الإثنين، 18 مايو 2020 12:00 م
فقهاء أثاروا الجدل فى التاريخ الإسلامى.. ابن تيمية والذهلى وابن حزم الفقيه ابن تيمية
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الدين الإسلامى لا يعترف بمصطلح "رجل الدين" ومع ذلك مع توالى العصور بدأ الناس يقدسون الأشخاص ويضعونهم فى مكانة عالية لا تقبل النقد، هذا مع أن الكثير من الفقهاء المسلمين كانوا فى أيامهم وبعد ذلك بسنوات، مثار للجدل، وهنا نقدم ثلاثة من العلماء الذين أثاروا الجدل فى التاريخ الإسلامى.

محمد بن يحيى الذهلى ومعركته مع الإمام البخارى

كان محمد بن يحيى الذهلى الذى توفى سنة  258 هجرية عالم نيسابور الأشهر حتى مجىء الإمام البخارى لزيارة المدينة فى سنة 250 هجرية، ولما استقبل الناس الإمام البخارى بحفاوة بالغة وقرر المقام فى المدينة، وصار مجلسه أكبر مجلس علم فيها، أثار ذلك غيرة الشيخ "الذهلى" فبعث من سأل البخارى عن مسألة خلق القرآن، وهل اللفظ مخلوق أما لا؟
وحاول "البخارى" الهروب من هذه المسألة، لكنه لم يستطع، فاضطر للإجابة بأن كلامنا مخلوق، ومنها استنبط "الذهلى" أن البخارى يقول بالتلفظ، فاتهمه فى دينه، وظل يشنع عليه حتى أخرجه من المدينة، فخرج ولم يشيعه سوى عدد قليل من الناس.
ولم يكن الأمر سهلًا ولم يعد الناس يلتفون حول البخارى مثلما كانوا فى البداية، فبعدما خرج من "نيسابور" سار ناحية "مرو"، يقول كتاب "تقييد المهمل وتمييز المشكل" لأبى على الغسانى، لما قدم البخارى "مرو" استقبله أحمد بن سيار فيمن استقبله، فقال له أحمد بن سيار: يا أبا عبد الله، نحن لا نخالفك فيما تقول، ولكن العامة لا تحتمل ذا منك، فقال: إنى أخشى النار، أُسأل  عن شىء أعلمه حقًا أن أقول غيره، فانصرف عنه أحمد بن سيار".
 
ولم ينته الأمر عند ذلك، فعندما فكر الإمام فى الذهاب إلى وطنه "بخارى" عانى الأمرين أيضًا، يقول كتاب "تقييد المهمل" لما قدم أبو عبد الله – يقصد الإمام البخارى – بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد، واستقبله عامة أهل البلد، حتى لم يبق مذكورًا إلا وقد استقبله، ونثر عليه الدراهم والدنانير والسكر الكثير، وبقى بها أيامًا، فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلى إلى خالد بن أحمد،  أمير بخارى،  فقال: 
(إن هذا الرجل – يقصد البخارى – يظهر خلاف السنة) فقرأ الأمير كتابه على أهل بخارى، فقالوا: لا نفارقه، فأمره الأمير بالخروج عن البلد، فخرج".
واستمر ذلك الأمر حتى مات الإمام البخارى على طريق سمرقند فى سنة 256 هجرية غريبا.
ومن يومها والعلماء يسمحون لأنفسهم بانتقاد الإمام الذهلى  والحديث عن "حسده" للإمام البخارى.

ابن حزم وكتاب "طوق الحمامة فى الإلف والإيلاف"

 "الحب – أعزك الله – أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصّف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر فى الديانة ولا بمحظور فى الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل"، هذه أشهر جملة فى كتاب الفقيه ابن حزم الأندلسى "طوق الحمامة فى الألفة والألاف"، وفيه عرف "الإمام" الحب بأنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة فى هذه الخليقة فى أصل عنصرها الرفيع،
 
والكتاب من أشهر الكتب التى تناولت موضوع الحب عبر التاريخ. وقد اكتسب شهرة واسعة وتُرجم إلى عدة لغات فى المشرق والمغرب، كتبه ابن حزم الأندلسى، أحد أشهر علماء وفقهاء عصره فى الأندلس، قبل ألف عام استجابة لرغبة صديقٍ محب طلب منه أن يصنف له "رسالة" فى صفة الحب ومعانيه وأسبابه وأعراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة.
 
وأورد الكتاب ذكر كثير من رجال الدين ومن الصالحين والفقهاء فى الدهور الماضية الذين تحدثوا عن الحب وكتبوا فيه الأشعار، ومنهم عبيد الله عتبة بن مسعود وشعره وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وكذلك قول ابن عباس، هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود، كما ذكر ابن حزم قصص لحب الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين، وكثير من الخلفاء سيما من حكم الأندلس، والعلماء الصالحين والفقهاء
 
والمحبة كما يؤكد ابن حزم أنواع منها محبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبة بلوغ للذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق التى لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس، فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها وزائدة بزيادتها وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها فاترة ببعدها. حاشى محبة العشق الصحيح الممكن من النفس فهى التى لا فناء لها إلا بالموت، فالنفس حسنة وتولع بكل شىء حسن.
 
ومن علامات الحب، إدمان النظر فالعين باب النفس، وهى المنقبة عن سرائرها، والمعبرة لضمائرها والمعربة عن بواطنها، فترى الناظر لا يطرف، يتنقل بتنقل المحبوب وينزوى بانزوائه، ويميل حيث مال، كذلك الإقبال بالحديث، والإسراع بالسير نحو المكان الذى يكون فيه، ومنها بهت يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة وطلوعه بغته، ومنها اضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه أو عند سماع اسمه فجأة، ومنها أن يجود المرء ببذل كل ما كان يقدر عليه مما كان ممتنعاً به قبل ذلك، ومن علاماته وشواهده الظاهرة لكل ذى بصر الانبساط الكثير الزائد، والتضايق فى المكان الواسع عند غياب المحبوب، والمجاذبة على الشيء يأخذه أحدهما، وكثرة الغمز الخفي، والميل بالاتكاء، وتعمد لمس اليد عند المحادثة، ولمس ما أمكن من الأعضاء الظاهرة. وشرب فضلة ما أبقى المحبوب فى الإناء، والسهر.
 
ومع ذلك لا يتقبل أصحاب الفكر السلفى حتى الآن أن يؤلف فقيه مثل ابن حزم الأندلسى كتابا فى الحب بين الرجل والمرأة.

ابن تيمية .. أفكاره تثير الجدل 

لم يختلف حول فقيه إسلامى مثلما حدث مع هذا الرجل، كثيرون يرونه عالما مجددا وفى الوقت نفسه يراه آخرون صاحب أفكار متطرفة.
  من الواضح أن تلقى فكر ابن تيمية لم يتم بصورة واحدة، وهذا ما يوضحه الباحث هانى نسيرة فى مشاركته فى كتاب (بين السلفية وإرهاب التكفير.. أفكار فى التفسير) والتى جاءت تحت عنوان "فهم التراث ومشاكل الجهاديين: ابن تيمية والسلفية الجهادية نموذجا".
ويقول الكتاب "إن بداية تعرف الجهاديين إلى ابن تيمية كانت مصادفة، وليس تأسيسا عبر فتواه فى التتار وأهل ماردين، وهو ما يمكن التأريخ له حسب الرواية الأشهر بعام 1958 مع تأسيس أول مجموعة جهادية مصرية على يد شاب مصرى عشرينى يدعى نبيل البرعى سنة 1958، حين وجد على سور الأزبكية فى مصر كتيبا صغيرا يضم فتاوى جهادية لابن تيمية منها هذه الفتاوى، فرأى فى ابن تيمية جهاديا لا سلفيا فقط، كما ترى الدعوات السلفية التى كانت شائعة فى مصر حينها، وطار بها مؤسسا أولى هذه المجموعات، التى توالت وظلت مجموعات متفرقة لم تنتظم فى تنظيم واحد إلا مرتين، أولاهما سنة 1979 مع محمد عبد السلام فرج، وثانيهما مع أيمن الظواهرى وقيادته لتنظيم الجهاد منذ أواسط الثمانينيات حتى انضمامه إلى القاعدة سنة 1997".
ويتابع الكتاب "هكذا كان لقاء المنظرين الجهاديين عشوائيا مصادفة، لم ينظمه نظام فكرى أو تنظيم عملى منذ البداية إلا طموح ومغامرة حديثى السن المتسرعين فى إلقاء التهم والأحكام. كما تأخرت أدبيات هذه المجموعات الخاصة ما يقرب من العقد ونصف العقد، رغم تأثرها بتجربة الصدام الناصرى – الإخوانى والفكر القطبى. ويتضح شتاتها من اختلاف روايات نشأتها بين مؤرخيها وعناصرها، إما على يد الظواهرى الذى يرى نفسه مؤسس أول مجموعة جهادية مع عبد القادر عبد العزيز فى ضاحية المعادى المصرية 1965، وكل منهما يدعى أنه كان أميرها، وأنها كانت بداية تأسيس ما يعرف الآن بالسلفية الجهادية حيث اهتما بكتب وإصدارات الدعوات السلفية حينها، وإما على يد محمد عبد السلام فرج عام 1979 ورسالته الفريضة الغائبة التى انطلقت من مفهوم الدار وقتال العدو القريب بحكم تحول الدار / الدولة لدار كفر استنادا إلى فتوى ابن تيمية الشهيرة فى التتار أو أهل ماردين.
 
يتناول كتاب "مرجعيات العقل الإرهابى: المصادر والأفكار" الصادر عن مركز المسبار فى نهاية عام 2018 بعض المصادر النظرية التى يستند إليها "الجهاديون المتطرفون والتنظيمات الإرهابية والسلفية الجهادية"، ومن ذلك أفكار ابن تيمية الذى تمّ استعادة تراثه مجزأً من قبل الجماعات الإسلامية، ونزعت أفكاره عن سياقها التاريخى المرتبط بمغالبة المد المغولى، وسيادة التتر على محاضن الثقافة الإسلامية آنذاك، هذه الاستعادة جعلت أفكار تطبيق الشريعة والحكم بغير ما أُنزِل وتكفير الحكام وأعوانهم، تقف على خط واحد مع أفكار تكفير المجتمع وتجهيله، وتخلق من الجماعة التى تصدر الأحكام أصلاً متعالياً ينعزل عن المجتمع والحاكم ويتفرّغ لإصدار قرارات التكفير، وما إن تمت عملية الأدلجة باستغلال الظروف السياسية والاجتماعية حتى بدأت رحلة العنف.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة