«اليوم السابع» نجحت فى تجربة العمل عن بعد بصورة فاقت التوقعات بنفس الكفاءة والجودة والتواصل
وزارة التعليم واجهت خطر الفيروس .. و توقف الدراسة أدى لنجاح التفاعلية والتعليم عن بعد فى المدارس والجامعات
الأزمات والكوارث، تتسبب فى أخطار وخسائر وأضرار بالغة. لكن وسط هذه التأثيرات غالبا تظهر بعض الميزات التى يفرضها الاضطرار. وتولدها المحن. ومن المفارقات أن أكثر القفزات فى تاريخ البشرية كانت فى أوقات الحروب والكوارث. والأوبئة هى التى دفعت البشر للتوصل إلى الأمصال واللقاحات، والمضادات الحيوية تم اكتشافها وسط مخاوف الحرب وظهر البنسلين عام 1943 وسط أهوال الحرب العالمية الثانية فى محاولة لإنقاذ آلاف الجنود الجرحى. وظهرت اللقاحات والأمصال فى مواجهة الأوبئة والجائحات التى حصدت أرواح البشر.
فيروس كورونا المستجد ليس استثناءً من هذه القاعدة، ووسط الرعب الذى اجتاح العالم، وحجم الخسائر البشرية والاقتصادية، خلق الفيروس أنواعا من التحدى. وبجانب الآثار الإيجابية على البيئة والهواء، فقد كسرت تأثيرات الفيروس الكثير من أسوار الروتين ودفعت دول العالم لاتخاذ قرارات كانت تستغرق عشرات السنين. ورأينا مؤسسات كبرى تغير من عقيدة حضور موظفيها وتقدم خدماتها بكفاءة. وقد نجحت «اليوم السابع» فى إنجاز العمل عن بعد بنفس الكفاءة والتكثيف والجودة وفى وقت صعب بالاعتماد على التكنولوجيا، وحطم تصورات عن أهمية الحضور، ورأينا الحكومة تعقد اجتماعاتها بالفيديو كونفرانس، بكامل تشكيلها وتتخذ أهم القرارات فى إدارة واحدة من أكبر الأزمات.
وقد نشر موقع «هارفارد بيزنس ريفيو»: «الأزمات مهما كانت مأساوية لها جوانب إيجابية، توقظ فى البشر عقلانيتهم، وتولد نماذج عمل جديدة ما كان البشر لينتقلوا إليها لو استمروا فى الروتين المعتاد»، ويضيف أن صدمة التكنولوجيا والعمل عن بعد يمكن أن تنتهى حال تم العمل بمرونة وكفاءة وتعاون ويمكن أن تمنح الجامعات شهادات عن بعد بناء على معايير جودة، والعمل والتعليم عن بعد يقلل من استخدام الأوراق والأختام والتوسع فى المال الافتراضى، ويمكن عقد مؤتمرات افتراضية».
وبالفعل كان الاندماج فى التكنولوجيا والعمل والتعليم والعلاج عن بعد أحد أهم التأثيرات التى خلقها فيروس كورونا، فقد لجأت العديد من الشركات عبر العالم إلى تقليل حضور موظفيها، ودفعتهم للعمل من المنزل، وهى خيارات لم تكن متصورة قبل شهور.
وكانت المؤسسات الإعلامية والصحفية الكبرى، والتى يفترض أنها تعمل على جمع ونشر الأخبار وتحليلها، كانت قادرة على الاندماج بسرعة، وقدمت مؤسسة «اليوم السابع» نموذجا مهما فى الاندماج بالتقنية، والتعامل بكثافة وجودة فى جمع ونشر وتحليل الأخبار فضلا عن البرامج الإخبارية والتحليلية على مدار الساعة بكفاءة وجودة. كما عقدت الحكومة المصرية برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى، اجتماعاتها عبر الفيديو كونفرانس وأيضا مجلس المحافظين. بل أن الحكومة كانت تدير الأزمة وترد على الشائعات وتتفاعل مع الجمهور وتقدم خدماتها وتتلقى الشكاوى وترد عليها بكفاءة أكبر مما كان فى الوقت العادى.
وقد تخلت العديد من شركات التكنولوجيا والاتصالات عن حضور موظفيها، ونجحت فى أن تقدم نفس خدماتها وبنفس الكفاءة بالرغم من وجود موظفيها أو أغلبيتهم فى المنازل. وهناك شركات تكنولوجيا واتصالات وظفت 2500 موظف ومدير وخدمة عملاء من المنزل. وهناك شركات كبرى فى الولايات المتحدة توظف خدمة عملاء من دول فى آسيا مثل الهند يردون على عملائها فى الولايات المتحدة، ويقدمون خدماتهم ونصائحهم الفنية، بل أن أحد البنوك الكبرى فى أوروبا يستعين بموظفين يعملون فى مصر أو الشرق الأوسط. بما يعنى أن ثورة التقنية يمكنها أن تغير بالفعل حياة البشر بشكل أفضل.
وهو ما كشف عنه الكاتب الصحفى خالد صلاح، فى مقاله أمس، بـ«اليوم السابع»، «الفيروس والإنترنت وثورة العمل فى مصر»، حيث أكد أن «فيروس» قاد إلى ثورة فى سلوك المؤسسات والشركات من خلال العمل من المنزل والاعتماد على التكنولوجيا الحديثة فى الاتصالات والاجتماعات بالفيديو، بما حول المحنة إلى منحة، وثبت إمكانية إنجاز المهام من البيوت بنفس الكفاءة، وبتكلفة أقل فى حالة بقاء ملايين الموظفين فى البيت، مما يتيح للميدانيين وعمال الشركات الصناعية والوحدات الإنتاجية التحرك بسهولة داخل وخارج المدن. وشرح صلاح تجربة «اليوم السابع» التى كانت سباقة فى اتخاذ قرار العمل عن بعد ومن المنزل وهو ما أدى لنتائج مدهشة، حيث التواصل بين فريق العمل الميدانى والزملاء من المنازل صار أكثر من ذى قبل، قيادات التحرير يعقدون اجتماعات الفيديو على نحو منتظم ومثمر للغاية، المحررون فى المنازل يشعرون بمسؤولية كبيرة ولا يتأخرون عن التواصل مع مصادرهم الإخبارية على مدى الساعة، الإنتاج يتضاعف، والجودة تزداد، وصحافة الفيديو واللايفات المباشرة والبث الحى الدائم تتألق بشكل غير مسبوق.
ويشير صلاح إلى أن تجربة العمل من المنزل ألغت تصورا مسبقا، أن العمل من المنزل يقضى على الالتزام، ويروج للتراخى، بينما العكس هو الصحيح، حيث إن التجربة أكدت أن العمل يمضى بقوة وبانتظام والتزام، والأفكار الإبداعية وعمليات التطوير لا تتوقف.
فقد كان لدى الدولة استراتيجية الرقمنة للخدمات الحكومية، قطعنا فيها شوطا قبل الفيروس، ويمكن أن تصبح عقيدة لكل القطاعات من حجز التذاكر وتسجيل المواليد وحتى استخراج البطاقات وجوازات السفر والدفع الإلكترونى وحركة الحسابات المصرفية، بأمان كامل ودقة متناهية وإنهاء مهام فى دقائق ومن شاشة الموبايل.
بالطبع فإن الكثير من الشركات اتخذت قرارا اضطراريا بعمل أغلب موظفيها من المنزل ونجحت فى إنتاج نفس الجودة والمراقبة، ونفس الأمر فى الحكومة، بما يعنى أنه يمكن تقسيم أيام العمل بين الوظيفة والمنزل بما يخفف العبء على المواصلات، ويخفض التلوث.
وبجانب العمل من المنزل فقد كانت العزلة الإجبارية التى خلقها الفيروس، دافعا للاندماج أكثر فى التعليم عن بعد، وفصول الدراسة بالفيديو من المدارس والجامعات. والواقع أن ما حدث كان يبدو من المستحيلات، حيث بذل وزير التعليم الدكتور طارق شوقى، جهدا كبيرا لإقناع المجتمع بمشروع يتضمن بجانب الحضور الفيزيائى للتلاميذ استخدام التابلت والإنترنت فى التواصل واستكمال الدروس والواجبات. وهو مشروع واجه مقاومة من بعض الاتجاهات التى تخاف الجديد، فضلا عن مستفيدين من فوضى النظام القديم من الدروس الخصوصية وغيرها.
لكن فجأة وتحت خطر الفيروس وتوقف الدراسة بالمدارس والجامعات ظهرت الكثير من الحلول التى بدت مستحيلة، وعلى رأسها القنوات التعليمية فى التليفزيون ويوتيوب، والمحاضرات التفاعلية «التى» بين المعلمين والتلاميذ، وحتى طلاب الجامعات فى الكليات النظرية والعملية استكملوا تعليمهم من خلال المحاضرات اللايف باستخدام أجهزة الموبايل التى كانت حتى وقت قريب للسوشيال ميديا. وكسب المجتمع تحت الضغط ما كان يحتاج إلى سنوات للاقتناع به.
كل هذه الميزات تستدعى توجهات استراتيجية من خلال «توجيه استثمارات أكبر وأضخم فى البنية التحتية للإنترنت، وتوسيع القدرات والسعات للشبكة فى البيوت والشركات والمؤسسات، بما يضاعف من قدرات الشبكة الإلكترونية، والبنية التحتية للإنترنت ويساهم فى نقل مصر إلى مرحلة أخرى تنتظرها وتدعمها مشروعات الدولة خلال السنوات الحالية». ومثلما أدارت الدولة ومؤسساتها والحكومة أزمة كورونا بكفاءة، يتوقع أن نبنى على ما تقدم بعد الأزمة بالشكل الذى يوفر سنوات من الجهد والوقت.
وقد كان لتخفيض حجم العمل والتنقل خلال الفترة الصعبة لانتقال فيروس كورونا تأثيرا على البيئة والهواء والمياه فى العالم، حيث أدى توقف الأنشطة الصناعية، كما أن حجز مئات الملايين فى منازلهم، خفف من استهلاك الوقود، الأمر الذى أثر على البيئة والانبعاث الحرارى بدرجة يتوقع العلماء أن يكون لها تأثيرات هائلة.
وبالفعل فإن العالم كله انتبه إلى هذه الفوائد التى يمكن أن يخلفها العمل تحت الخطر، وحسب هارفرد بيزنس ريفيو عن «فوائد كورونا التى ستغير العالم نحو الأفضل»، يقول إن فيروس كورونا مثل أى أزمة أو حرب سيهز العالم وسيخرج ابتكارات ويغير عقليات، وكان هناك اعتقاد أن حكومات العالم وبعض شركات القطاع الخاص ما كانت ستخرج من عنق الزجاجة تجاه تبنى معطيات التكنولوجيا للعمل والتعليم عن بعد، وتقديم خدماتها للناس عن بعد، ومعالجة القضايا فى المحاكم عن بعد، لولا كورونا وكانت ستبقى عشرات السنوات أخرى فى حالة استعصاء وإنكار لتبنى تقنيات التى قال عنها المنطق إنها باتت أمرا واقعا من عشرة أعوام خلت.
من التأثيرات الإيجابية لكارثة كورونا، هى التعجيل بتحركات وقرارات فيما يتعلق بدمج التكنولوجيا فى العمل والتوسع فى العمل عن بعد، وهو ما اتبعته الكثير من المؤسسات الكبرى عبر العالم، لدرجة انعقاد قمة لمجموعة العشرين عبر الإنترنت، وهو ما وفر الكثير من المصروفات الضخمة للوفود والقادة والتحركات. ونشر البعض صورا لرؤساء دول ووزراء، حين عقدوا قمما رئاسية من خلال منصات الفيديو، ما أدى إلى توفير الكثير من النفقات الباهظة التى يتم صرفها على سفرهم، بالإضافة إلى وفودهم. وعقدت قمة رئاسية «أونلاين» لرؤساء الصومال وكينيا والسودان وجيبوتى وجنوب السودان وأوغندا لمناقشة آثار فيروس كورونا على شعوب المنطقة.
كل هذه المعطيات تقود إلى تفكير ما بعد الأزمة، حيث أفادت الأزمة والشعور بالخطر إلى عمل جماعى، وتبنى خيارات كانت تحتاج سنوات لإنجازها. وكما كتب محرر هارفارد ريفيو «كورونا تضرب البيروقراطية فى مقتل والقرارات التى كانت تحتاج لأشهر حتى يتم اتخاذها، صارت تتم بطرفة عين، وتخلت الحكومات عن إجراءات وروتين بيروقراطى لتساعد العالم للمضى إلى الأمام بالسرعة اللازمة». الحكومة الأمريكية مثلا تعلن أنها ستتخلى ولأول مرة عن الروتين فى إجراءات قبول الأدوية حينما دعا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب شركات الأدوية لتصنيع لقاح مضاد لكورونا واعدا بأن إدارة الدواء والغذاء FDA سترد على طلباتهم فورا. لقد كان تصنيع الدواء وطرحه يحتاج إلى عشر سنوات من الروتين، اليوم أصبحت الحكومة الأمريكية جاهزة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة