نقرأ معا كتاب "الخرافة: مقدمة قصيرة جدًّا" تأليف روبرت إيه سيجال، ترجمة محمد سعد طنطاوى، مراجعة إيمان عبد الغنى نجم، والصادر عن مؤسسة هنداوى، وفى الكتاب يقدم روبرت إيه سيجال للقارئ مجموعة المناهج التى ظهرت على مدار القرون القليلة الماضية فى دراسة الخرافة. وتنبثق هذه المناهج من فروع معرفية عدة؛ كالأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والنقد الأدبى والفلسفة والدراسات الدينية.
وحلقة الوصل التى تربط بين هذه الفروع المعرفية جميعًا هى الأسئلة التى تطرحها: ما أصل الخرافة؟ وما وظيفتها؟ وما موضوعها؟ وتختلف النظريات فى إجاباتها عن هذه الأسئلة، بل تختلف أيضًا فى الأسئلة التى تركز عليها.
ومن المنظِّرين الذين تناولهم الكتاب: تايلور، وفريزر، ومالينوفسكي، وإلياد، وليفي–ستروس، وفرويد، ويونج، وفراي، وجيرار. وقد أثمر هذا الجهد عن بحث بليغ شامل وتقييم ممتع للموضوع قيد الدراسة.
وعن العلاقة بين الخرافة والدين، يقول الكتاب:
يستدعى تناول الخرافة فى نطاق مجال الدراسات الدينية إدراج الخرافة تحت الدين، ومن ثم تعريض الخرافة للرفض الذى يلقاه الدين من العلم، وقد سعت نظريات القرن العشرين المشتقة من الدراسات الدينية إلى التوفيق بين الخرافة والعلم من خلال التوفيق بين الدين والعلم.
ولقد كان هناك استراتيجيتان رئيستان للتوفيق بين كليهما، تمثلت الأولى فى إعادة توصيف موضوع الدين ومن ثم الخرافة، فمما قيل أن الدين لا يدور حول العالم المادى، وهو ما يجعل الدين فى هذه الحالة فى مأمن من أية تعديات عليه من جانب العلم، وبينما تعتبر الخرافات التى جرى تحليلها وفق هذا الأسلوب فى تناول الدين خرافات تقليدية — مثل خرافات الكتاب المقدس والخرافات الكلاسيكية — فإنها تُفسَّر فى الوقت الحالى رمزيًّا وليس حرفيًّا.
ومن المزاعم الحالية أن الخرافة كانت تتعارض مع العلم، لأنها لم تُفسَّر تفسيرًا صحيحًا، ويعطى نقد تايلور العنيف للرمزيين الأخلاقيين والمؤلهين، بسبب تفسيرهم الخرافة تفسيرًا غير حرفى، مثالًا مصغرًا على عدم تفسير الخرافة على النحو الصحيح، من جانب تايلور نفسه!
وتمثلت الاستراتيجية التوفيقية الأخرى فى ترقية الظواهر العلمانية ظاهريًّا إلى مصاف الظواهر الدينية، ومن جوانب هذه الترقية أن الخرافة لم تعد مقتصرة على الحكايات الدينية القديمة الجلية، فهناك خرافات حديثة علمانية صريحة أيضًا، على سبيل المثال، فيما تعتبر القصص التى تدور حول الأبطال قصصًا تدور فى حقيقتها حول مجرد بشر، يُرتقى بهؤلاء البشر إلى مصاف أعلى بكثير من مصاف البشر الفانين فيصيرون آلهة فعليين.
فى الوقت نفسه، لا تعتبر أفعال هذه "الآلهة" خارقة، ومن ثم فهى غير متنافية مع العلم، وبذلك، تبقى هذه الاستراتيجية على تفسير الخرافة تفسيرًا حرفيًّا، إلا أنها تعيد تصنيف الحالة الحرفية للشخصيات الفاعلة فى الخرافة.
هناك استراتيجية ثالثة تتمثل فى إحلال الخرافات العلمانية محل الخرافات الدينية. فتنقذ هذه الاستراتيجية الخرافة من مصير الدين من خلال الفصل بين الخرافة والدين؛ بناءً عليه، فإن هذه الاستراتيجية تُعد النقيض للاستراتيجية الثانية، التى تحوِّل الخرافات العلمانية إلى خرافات دينية. وبفصل الخرافة عن الدين، تقع هذه الاستراتيجية بوضوح خارج مجال مناقشة الفصل الحالى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة