أحمد إبراهيم الشريف

خلف جابر .. أجمل الشعر أصدقه

السبت، 25 أبريل 2020 11:13 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعيدًا عن نظريات الشعر القديم التى كانت تقول "أصدق الشعر أكذبه"، وبعيدًا عن كل نظريات الشعر التى عرفتها الكتب الأكاديمية، وعن كل التنظير الذى عرفه النقاد أو سيعرفونه، وقريبًا من الفن الذى يحسه الناس ويستشعرونه، يأتى الشعر، وليست فى الدنيا متعة أكبر ولا أجمل من "نص شعرى" يأخذك إلى عالم لغوى وموسيقى وخيالى لا حدود له.. أتحدث عن ديوان "عيل بيطير غناويه للقاهرة" للشاعر خلف جابر، الذى حصل مؤخرا على جائزة عبد الرحمن الأبنودي، وهو يستحق.

لحد امتى هتستنى فى ميعاد فاتك
وتراقب الجاى من بعيد
من امتى قلبك بات مستنى دقاتك

قرأت الديوان مرتين وأكثر، وكلما أردت أن أمسك بخط نقدى أتتبعه، يأخذنى الفن، فأقول لنفسى ما ستكتبه عن هذه النصوص لن يعبر عنها، لن يفى بما فى قلبها من وهج، فالنصوص التى كتبها "خلف جابر" مثقلة بجمالها آخذة بيد إحساسه إلينا، وكلما أوشكت على التشبع فاجأتك الجملة واللفظة بعطش شديد إلى ينابيع الجمال.

تلقى الجبل وكأنه متبقع نخيل
تلقى البيوت زاحفين على صدره فى سكون
وكأن كل الوقت ليل

لم يجهد "خلف جابر" فى ديوانه بالبحث عن عالم، فعالمه موجود من حيث أتى من قرية ترابها ليس عجوزا وطينها ليس "عيل"، قرية بيوتها تقول الشعر وجباناتها بها نسمة ترد الروح، يعرف عالمه فهو يقصد مدينة صاخبة، مدينة مستعدة بكل ما لديها من قسوة أن تفسد البهجة.

 و"خلف جابر" شاعر يحمل ربابته يبث لها أيامه وما استقر فى روحه من قيمة للكلمة، شاعر يعرف فضل الإيقاع، ويعرف ميزة الصورة، يعرف أن شعر العامية ابن السرد الشعبى فيقدم صورة واضحة مكللة بالشجن، يرسم بيوتا نسكنها ويحكى قصصا نعيشها، لكن ما يفرقه عن السرد أن الشعر "قول رجل حكيم" لا يحب الكلام الكثير، فيقول: 

كل اللى يبكى بيبكى على حاله
لو مرة مات عيل ما لوش صاحب 
تبكى عليه العسلية فى الدكان

أجمل الشعر أصدقه، والصدق معناه الإخلاص للكتابة، معناه الإيمان بقيمة ما تفعله، معناه اكتشاف المعنى البكر واللغة البكر فيما نستعمله، وأن نشعر بالخطر، لأن العالم من حولنا خطير يريد أن يأخذ ثقافتنا يريد أن يجعلنا متشابهين، أن نصبح تكرارا لثقافة واحدة وكتابة واحدة ونص شعرى واحد، وهذا ما أفلتت منه قصائد الديوان.

 
أسعد كلما قرأت ديوانا جميلا، كلما قرأت قصيدة ممتعة، وأنا أعرف جيدا أن الشعر له أبناؤه المخلصون الذين يواصلون مساءلة أنفسهم والبحث عن الفن والتجربة معا، ومنهم خلف جابر.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة