أحسب أن أصداء الصدمة الواسعة التى سببها فيروس كورونا ستحتاج وقتا طويلا كى يدرك العالم أبعادها ويحلل الدروس المستفادة منها كى يبنى عليها فى قادم الأيام، تجنبا لتكرار مثل هذا المسلسل المفزع مستقبلا ما أمكن إلى ذلك سبيلا.
مشهد انهيار دفاعات الدول الأكثر تقدما اقتصاديا وتكنولوجيا وصحيا فى العالم أمام انتشار الفيروس من الصعب أن يمحى من ذاكرة البشر جميعا، ومن مخيلة سكان من ستكتب له الحياة من أبناء هذه الدول على وجه الخصوص، فالجميع سيتذكرون بعد زوال الكابوس تلك اللحظة التى كانوا فيها على مشارف الموت، وأن إمكانيات دولهم العظمى لم تقدم لهم أى ميزة نسبية فى مواجهة القاتل الغامض عبر الحدود.
أول درس يجب أن يدركه صناع القرار فى أوروبا وأمريكا هو أن إنفاق المليارات على بناء أنظمة صحية بالغة التطور داخل حدودهم ليس كفيلا بمفرده لتأمين الحياة لمواطنيهم، فانتشار فيروس أو مرض فى هذه الدولة أو تلك أكد كورونا أنه بات يمثل خطرا على الجميع.
الفيروسات أصبحت فى عالم اليوم أكثر تطورا من إيبولا الذى ضرب عددا من دول أفريقيا الفقيرة فى فترة من الزمن، فى حين كان بعض أثرياء الكوكب يكتفون بالتحسر دون أن يقوموا بمد يد العون لأولئك الفقراء الذين ماتوا بالعشرات بلا أى ثمن.
يجب أن تعيد الدول العظمى حساباتها، وأن تقدم بعض العون المادى والتقنى من أجل النهوض بالأنظمة الصحية فى الدول الأقل تقدما والأكثر فقرا، خاصة أن درس كورونا اليوم يؤكد أن الخطر إذا لم يتم القضاء عليه فى المهد أيا كان مصدره فإنه سوف يتهدد الجميع.
العالم ساحة للصراع المتواصل بحثا عن الثروة والنفوذ، كما أن لغة المصالح وحدها هى تلك التى يجيدها أولئك الكبار المهوسون دوما بالتربع على عرش قيادة الكوكب، ولكن حانت اللحظة التى يجب أن يدرك فيها هؤلاء أن هذا "عالم واحد" ومصيره مشترك، فجونسون نفسه أحد ضحايا وباء العصر، تعزيز الأنظمة الصحية لدى الدول الأقل تقدما فى المستقبل ليس واجبا أخلاقيا بقدر ما هو أمر لصالح الكوكب برمته يجب البناء عليه.
درس آخر أحسب أننا استفدناه داخليا من الأزمة هى أن الطوابير يجب أن تنتهى بلا رجعة، وبالفعل نجح عدد كبير من جهات الدولة فى تقديم الخدمات أون لاين، فعبر عدد بسيط من الخطوات ودون أن تغادر منزلك يمكنك اليوم أن تستخرج الكثير من الوثائق والمستندات الرسمية دون أن تبرح مكانك.
ثقافة أن الخدمة يمكن الحصول عليها أون لاين يجب أن تترسخ فى أذهان المواطن المصرى، وفى عقلية وتكوين مختلف مقدمى الخدمات، فالوقت الذى تتم إضاعته فى الذهاب لهذه المصلحة أو تلك يمكن استثماره فى شىء آخر.
ربما تأخرنا بعض الوقت فى تفعيل التعليم الافتراضى، ولكن أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى، والطلاب وأولياء الأمور يجب أن يدركوا جيدا أن التعليم اليوم لم يعد قاصرا على التلقين أو جدران الفصل الدراسى وأن هناك وسائل تكنولوجية وبنوك معرفية يجب استثمارها فى تنمية قدرة أبنائنا على التفكير الابداعى.
وزارة الآثار من الجهات التى نجحت فى إدارة الأزمة عبر الإعلان عن الاكتشافات الأثرية أون لاين، بل والبث على مدار الساعة من داخل بعض متاحفنا فى ترويج واسع ومبهر لكنوزنا الأثرية التى نجهل الكثير عنها وهو ما يجب أن يتواصل مستقبلا.
الدرس الأهم هو أن التفاف الشعب حول حكومته كفيل بأن يساهم فى عبور أى محنة مهما بلغت صعوبتها، وأن الكفر بالشائعات التى يرددها أعداء الوطن فرض عين لصناعة المستقبل.
هذه بعض من دروس الحاضر رزقنا الله وإياكم بغد أفضل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة