حالة من الطوارئ أعلنتها العديد من الحكومات حول العالم، بسبب حالة الهلع جراء تفشى فيروس كورونا القاتل، حيث أغلقت المدارس، بينما لجأت بعض الشركات إلى تجميد أعمالها، في محاولة للحد من انتشاره، في انعكاس صريح لخطورة المرض، والذى يصنفه قطاع من الخبراء باعتباره "أزمة دولية"، في ظل امتداده إلى كافة الأنحاء، دون تمييز بين دول العالم المتقدم والنامى، ليضعها جميعا في كفة الاختبار حول مدى قدرتها في تجاوز الأزمة.
وبعيدا عن الدور الذى يلعبه كورونا في إعادة تقييم القوى الدولية والإقليمية من جديد، من حيث قدرتها على مواجهة الأزمة في الداخل أولا، وبعد ذلك قدرتها على تقديم مد يد العون إلى محيطها الإقليمى والدولى، يبقى الفيروس بالونة اختبار مهمة لوعى الشعوب في التعامل مع مثل هذه المستجدات، التي قد تطرأ على المجتمعات، ليكون أحد المعايير المهمة، التي يمكن أن تضاف إلى تقييم دول العالم في المرحلة المقبلة.
ففي الوقت الذى أعلنت فيه الحكومات الطوارئ بسبب كورونا، نجد أن ثمة حالة شعبية استبقت القرارات الحكومية، حاول فيها مواطنو العديد من الدول البقاء في منازلهم لأكبر وقت ممكن، حيث شهدت العديد من شوارع المدن الكبرى في بعض الدول التي ضربها الفيروس، كإيطاليا والبرتغال والولايات المتحدة، والسلفادور، وغيرها حالة أشبه بـ"مقاطعة" الشوارع، التي أصبحت شبه خاوية، في ظل اقتصار الخروج على الحصول على المتطلبات الملحة، في حين أن غالبية المطاعم والمقاهى إما مغلقة أو خاوية من روادها، في إطار الإحساس العام بخطورة الموقف.
الموقف الشعبى، في العديد من دول العالم، والذى استبق في الكثير من الأحيان القرارات الحكومية الرسمية، يمثل انعكاسا ليس فقط لحالة الوعى العام بخطورة الموقف، وإنما أيضا تعكس أن ثمة حالة من التضامن الشعبى مع الإجراءات الحكومية التي تهدف في الأساس إلى حماية المواطنين في مواجهة الخطر الصحى الداهم، تساهم بصورة كبيرة في احتواء الأزمة، مما يزيد من ثقل الدولة في الميزان الدولى في إطار تشكيل النظام العالمى الجديد.
فلو نظرنا إلى نموذج الصين، والتي اندلع الفيروس القاتل من أراضيها، نجد أن نجاحها في احتواء الفيروس ساهم بصورة كبيرة في تقديم نفسها من جديد كقوى قادرة على مواجهة أزماتها الداخلية في زمن قياسى من جانب، بالإضافة إلى أنه أصبح بمثابة فرصة مهمة، لتعميم تجربتها، لمساعدة دول أخرى، وهو ما يفتح الباب أمام توطيد علاقتها مع حلفائها، على غرار إيران من جانب، بالإضافة إلى قدرتها على اقتحام مناطق نفوذ جديدة، عبر ملء الفراغ الناجم عن حالة الفراغ الناجمة عن سياسة "التخلي" الأمريكي، على غرار دول أوروبا الغربية، وحلفاء واشنطن في آسيا، وغيرهم من جانب أخر.
وهنا يمكننا القول بأن "كورونا" ليس مجرد أزمة صحية، وإنما اختبار حقيقى سواء لقدرة الحكومات على التعامل السريع والفورى مع الأزمات التي تواجهها، وكذلك للشعوب التي يمكنها التجاوب مع الإجراءات الرسمية، عبر تنفيذ ما يمكننا تسميته بـ"روح القرار"، من خلال تطبيق حالة من العزلة الحقيقية ليحمى المواطن نفسه وأسرته ومجتمعه بشكل عام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة