الرئيس التركى.. انتهاكات عكس التصريحات
اليوم الخميس، ينعقد اجتماع القمة الأوروبية فى بروكسل، لمراجعة السياسة الخارجية التركية العدوانية فى شرق وجنوب البحر المتوسط، وضد جيرانها فى اليونان، والتدخل فى الشؤون الداخلية فى ليبيا، ونقل المرتزقة إلى طرابلس، ووفقا لتقرير مفوضية الاتحاد الأوروبى، فإن السياسة الخارجية التركية أصبحت عدوانية بشكل متزايد، وهناك الكثير مما يجرى فى الداخل ليس على ما يرام، لذلك فإن محاولة أنقرة للانضمام للاتحاد تتلاشى.
وتوجه المفوضية الأوروبية، الاتهام إلى حكومة رجب طيب أردوغان بتقويض اقتصاد تركيا، وانتقاص مساحة الديمقراطية، وتدمير استقلال المحاكم، وقالت: إن هذه الأفعال جعلت أنقرة أبعد من أى وقت مضى عن الانضمام للاتحاد الأوروبى.
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قالت: إن الاتحاد الأوروبى قد يفرض عقوبات على أنقرة إذا تواصلت «الاستفزازات والضغوط» التركية فى شرق البحر المتوسط، وحال تكرار مثل هذه الأفعال من قبل أنقرة فسوف يستخدم الاتحاد الأوروبى كل الوسائل والخيارات المتاحة له.
وتتصادم السياسة الخارجية التركية، بشكل متزايد، مع أولويات الاتحاد الأوروبى بخصوص السياسة الخارجية والأمنية المشتركة، وعلى وجه التحديد، تتهم مفوضية الاتحاد الأوروبى أنقرة فى هذا السياق بالقيام بـ«أعمال غير مشروعة وتصريحات استفزازية» فى شرق البحر المتوسط تجاه قبرص، بسبب الصراع على الغاز.
التهديد من الاتحاد الأوروبى بالعقوبات مستمر، والاستفزاز والتعنت التركى متواصل، فهل تشهر أوروبا البطاقة الحمراء فى وجه أردوغان، وتظهر غضبها ضد أنقرة اليوم الخميس؟ ومن يدفع الثمن فى حالة فرض العقوبات؟
هناك إجماع على أن الاقتصاد التركى المترنح، سوف يدفع ثمنا قاسيا، فالتصعيد المتزايد من الاتحاد الأوروبى والتعنت، من قبل أردوغان قد يعقد الأمور فى العلاقة بين الجانبين، ويصل بها إلى مرحلة العقوبات وتأثيراتها على الاقتصاد التركى الذى يعانى بطبيعة الحال من ركود وصعوبات كثيرة.
المراقبون بدأوا الحديث حول نوع العقوبات الاقتصادية التى يمكن أن تفرض على تركيا، وعما إذا كانت سوف تشمل عقوبات على الشركات التى تقوم بالتنقيب عن الطاقة خارج الحدود التركية، أو تجميد عضويتها فى الاتحاد الجمركى.
ووصف جوزيف بوريل، مفوض الشؤون الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، مناقشات الزعماء الأوروبيين حول تركيا فى العاشر من ديسمبر بأنها ستكون اللحظة الفاصلة فى العلاقات بين تركيا والتكتل الأوروبى، فى تلميح صريح الى استعداد الاتحاد الأوروبى خلال قمته لفرض عقوبات على أنقرة بسبب سلوكها فى الفترة الأخيرة.
وحتى ندرك الصعوبات التى قد تواجه الاقتصاد التركى فى حالة فرض عقوبات أوروبية، اليوم، خاصة بتجميد عضوية أنقرة فى الاتحاد الجمركى الأوروبى، يكفى أن نعرف أن حجم التجارة بين تركيا والاتحاد الأوروبى بلغ فى العام 2019، نحو 138 مليار يورو، ما جعل تركيا سادس أكبر شريك تجارى للاتحاد الأوروبى بنسبة 3.4%.
الاقتصاد التركى أيضا ربما يواجه ضربة أو عقوبات مزدوجة ليس من الاتحاد الأوروبى فقط، إنما من الولايات المتحدة الأمريكية بسبب صفقة منظومة الصواريخ الروسية «إس- 400»، ما يجعل الاقتصاد التركى، فى نهاية عام 2020، يعيش أسوا سنواته ومراحله بسبب سياسات الرئيس التركى رجب طيب أروغان الاستفزازية سياسيات والفاشلة اقتصاديا، فى ظل الخسائر المتوالية للعملة التركية فى مقابل العملات العالمية، فقد وصل حد التدهور فى العملة التركية بعدما انخفضت قيمتها من 7.5 ليرة مقابل الدولار الواحد، لتنتهى بـ8.35 مع نهاية الأسبوع، وبذلك تكون الليرة التركية قد سجلت أدنى مستوى لها مقابل الدولار الأمريكى، فيما سجل اليورو أمام العملة الوطنية التركية، 9.75 ليرة، بعدما وصل خلال الأيام الماضية إلى 9.78 ليرة.
كما تأثر سعر جرام الذهب بموجة التقلبات التى تشهدها الليرة أمام العملات الأجنبية، فبلغ سعر جرام الذهب 502 ليرة، بحسب موقع «تركيا الآن» المتخصص فى الشأن التركى.
ويأتى هبوط الليرة التركية إثر موجة التقلبات العنيفة فى أسواق الصرف التركية بالتزامن مع إعلان وكالة «بلومبرج»، أن قيمة العملة الوطنية التركية انخفضت على مدار التسعة أسابيع الماضية إلى أدنى مستوياتها أمام العملات الأجنبية منذ عام 1999، ويتوقع الخبراء أن يكسر الدولار حاجز الـ15 ليرة تركية، خلال الأيام المقبلة.
وحاول البنك المركزى التركى رفع سعر الفائدة فى محاولة لوقف نزيف العملة المحلية المتواصل أمام العملات الأجنبية، وهوت الليرة أكثر من 22 % أمام العملة الأمريكية منذ بداية العام، لتأتى بين أسواء العملات أداء فى العالم، وهبطت أيضا إلى مستوى قياسى منخفض جديد مقابل العملة الأوروبية عند 9 ليرات لليورو، موسعة خسائرها هذا العام إلى نحو 26 %.
الأمر لا يتوقف عند حدود انهيار العملة وامتد إلى الدين الخارجى لتركيا فى ظل مغامرات أردوغان العسكرية خارج الحدود التركية، فقد بلغ حجم الدين الخارجى لتركيا إلى 431 مليار دولار فى نهاية مارس الماضى، فيما تبلغ قيمة الديون الخارجية المستحقة على تركيا خلال عام بنحو 170 مليار دولار
ويشكل الإنفاق العسكرى المتزايد فى السنوات الأخيرة عبئا ثقيلا على خزينة الدولة فى تركيا، ما فاقم من المشكلات الاقتصادية التى تعيشها البلاد أصلا فى ظل انهيار العملة المحلية وتفشى فيروس كورونا، ولا يحظى الإنفاق العسكرى التركى بأى اهتمام داخل المؤسسات التركية، سواء فى البرلمان أو لدى الحكومة، فضلا عن ذلك، فإن الإنفاق العسكرى المتزايد للدولة يشهد تعتيما غير مسبوق من سائل الإعلام المحلية.
وتتدخل تركيا عسكريا فى العديد من دول المنطقة، من بينها سوريا والعراق، كما أنها تورطت مؤخرا فى ليبيا من خلال دعم ميليشيات طرابلس، فضلا عن مناوراتها المتواصلة شرقى المتوسط.
وتكلف هذه الممارسات التركية العسكرية وغيرها خزينة الدولة مليارات الدولارات، فى وقت تلقى قضية تمويل هذه الحروب والتدخل فى نزاعات عدة بثقلها على اقتصاد تركيا المتعثر.
وتقول صحيفة «أحوال» التركية إن ميزانية الدفاع لأنقرة تشكل أكبر بند فى الميزانية مقارنة مع غيرها من القطاعات، إذ تبلغ 145 مليار ليرة «19.7 مليار دولار» فى ميزانية عام 2020، وهو ما يمثل نحو 13 % من إجمالى الإنفاق.
وتشير الصحيفة إلى أنه عندما تضاف إلى ذلك العلاوات الممنوحة لشركات الدفاع الممولة من القطاع العام، والأموال الممنوحة لرئاسة الصناعات الدفاعية التركية، يرتفع الإنفاق إلى 273 مليار ليرة، أى ما يعادل أكثر من 25 بالمئة من ميزانية الدولة.
ويعد الإنفاق الدفاعى المحفز الرئيسى وراء الزيادة الهائلة فى نفقات الميزانية التركية، وعجزها الذى تجاوز الهدف السنوى فى غضون سبعة أشهر.
وقد أدت الزيادة غير المخطط لها فى الإنفاق العام فى موازنة 2020، والتى تحظى نفقات الدفاع بنصيب الأسد منها، إلى تجاوز هدف عجز الموازنة البالغ 138.9 مليار ليرة- الذى كان مقررا حتى نهاية العام- خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام، ما دفع العجز فى الفترة من يناير إلى يوليو إلى 139.2 مليار ليرة.
وقد أدى عجز الميزانية المتزايد، وتراجع قيمة الليرة، وزيادة أسعار الفائدة، إلى خنق مالية البنوك العامة فى البلاد، الأمر الذى تسبب فى توقفت حملات القروض منخفضة الفائدة بشكل كبير.
فيما خفضت وكالة «موديز» التصنيف الائتمانى لتركيا، مرجعة ذلك إلى أن نقاط الضعف الخارجية للبلاد وهو ما قد يسبب أزمة بميزان المدفوعات، هذا إلى جانب «تآكل» الهوامش المالية الاحتياطية. وخفضت موديز التصنيف الائتمانى لتركيا من «بى 1» إلى «بى 2»
وأضافت وكالة التصنيف الائتمانى أنه «من المرجح أن تتبلور نقاط الضعف الخارجية لتركيا فى أزمة ميزان المدفوعات».
كما تشير الأرقام، إلى تراجع فى احتياطات النقد الأجنبى التركية باستثناء الذهب بأكثر من 40 % هذا العام إلى 44.9 مليار دولار، الأمر الذى يفرض ضغوطا على قدرة البلاد فى الحفاظ على ميزان مرفوعاتها، فيما خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى رؤيتها لآفاق الاقتصاد التركى إلى درجة سلبية، نظرا إلى تراجع الاحتياطى النقدى للبلاد وضعف الثقة فى سياسة أنقرة المالية.
وسجل ميزان المعاملات الجارية سجل عجزا قدره 1.82 مليار دولار فى يوليو الماضى، فى رقم يلامس تقريبا توقعات بهذا الشأن، وقد يتفاقم هذا العجز أكثر فى الأشهر المقبلة فى ظل مؤشرات عديدة منها فيروس كورونا وتداعياته.
والعجز فى ميزان المعاملات التجارية، يعنى أن الواردات إلى تركيا أكبر من صادراتها، وهذا مؤشر إضافى على المأزق المالى والاقتصادى للبلاد التى فقدت عملتها الكثير من قيمتها منذ مطلع العام الجارى.
وكانت تركيا قد حققت عائدات قدرت بنحو 34 مليار دولار فى 2019، من قطاع السياحة، التى تشكل دعامة أساسية لاقتصاد البلاد، بعد أن استقبلت نحو 50 مليون سائح، وتوقعت السلطات التركية أنها ستستقبل 85 مليون سائح فى 2020 وتحقق عائدات قدرها 40 مليار دولار، لكن هذه التوقعات انهارت بفعل أزمة كورونا وانهيار الليرة.
البيانات السلبية المتوالية تعكس المعاناة التى يعيشها الاقتصاد التركى من تبعات جائحة فيروس كورونا المستجد، والسياسات الفاشلة التى تبناها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان.
ويشير تقرير الموازنة المركزية للحكومة التركية الصادر مؤخرا عن عجز بلغ 29.7 مليار ليرة خلال شهر سبتمبر الماضى فقط، ووفقا لإحصاءات صادرة عن وزارة الخزانة والمالية التركية، فقد بلغت نفقات الموازنة 108 مليارات و580 مليون ليرة، وبلغت نفقات الفائدة 16 مليارا و209 مليون ليرة، فى حين بلغت النفقات الأساسية 92 مليارا و371 مليون ليرة، وهى مؤشرات لو وضعت بجانب التقارير والإحصائيات الصادرة من الحكومة التركية نفسها بخصوص أسعار الليرة، ستؤكد أن الاقتصاد التركى يقف على حافة الهاوية بفعل مغامرات أردوغان غير المحسوبة.
التدهور الاقتصادى أصاب أردوغان بالتوتر السياسى الشديد والتخبط فى قراراته وسياساته، فأقبل على إقالة محافظ البنك المركزى التركى مراد أويصال، وقام بتعيين وزير المالية السابق، ناجى أغبال، بدلا منه على رأس البنك المركزى، وبعدها بيوم واحد، قدم وزير المالية صهر أردوغان، بيرات ألبيرق، استقالته عبر منصة إنستجرام، معللا الاستقالة بأنها لـ«أسباب صحية»، لكن السبب الحقيقى لم يكن كذلك، بل قيام أردوغان بتعيين ناجى أغبال فى منصب محافظ البنك، الأمر الذى لم يرق لألبيرق ما دفعه لتقديم استقالة، حسبما أكد المحلل السياسى التركى تورغوت أوغلو، مؤكدا أن الإقالة كشفت عن حجم التضليل الذى تعرض له الشعب التركى لسنوات من قيادته ونظام الحكم، كما كشفت عن أن الاقتصاد التركى يقف أمام مفترق طرق.
ويقول تورغوت أوغلو، إن «أردوغان يحاول إنقاذ نفسه بإجراء تغييرات المجموعة الاقتصادية»، مضيفا أن الرئيس التركى «رجل براغماتى، مستعد للتضحية بأى شخص فى سبيل حماية نفسه، فهو مستعد للتضحية ليس بصهره فقط، فقد يتخلى عن ابنه أو ابنته أو زوجته فى سبيل بقائه فى السلطة، ولا أستبعد الذهاب نحو تعديلات وزارية أخرى خاصة بعد فوز الرئيس جو بايدن فى الانتخابات الأمريكية، وخشيته من فرض عقوبات على تركيا بسبب منظومة إس 400 الدفاعية الروسية».
المعارضة التركية تحمل أردوغان مسؤولية الاقتصاد تقع على عاتق أردوغان، إنه المسؤول عن الاقتصاد».
وعن العقوبات المتوقعة على تركيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية فى ظل الإدارة الجديدة لجون بايدن، يرى مراقبون أن الوضع قد يكون كارثيا، فالرئيس التركى رجب طيب أروغان سيفقد حليفه الأكثر قيمة فى واشنطن، ما يجعل أنقرة عرضة لغضب الكونجرس الأمريكى، وبعض الوكالات الحكومية الأمريكية المشككة فى سلوك تركيا.
وحسب مركز الدراسات والبحوث التركية والدولية، فإن حسابات وسياسات أردوغان الفاشلة، أوصلت تركيا إلى هذا الواقع الراهن من المواجهة غير المتوازنة مع الولايات المتحدة، وأوروبا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة