انفصال كنيسة أوكرانيا عن الكنيسة الروسية وقطع العلاقة مع الروم الأرثوذكس يطرح التساؤلات.. كيف لعبت السياسة فوق مذبح الرب؟.. وكيف تغيرت خريطة العالم الأرثوذكسى؟.. وهل يؤثر القرار على الكنيسة القبطية المصرية؟

السبت، 04 يناير 2020 05:30 م
انفصال كنيسة أوكرانيا عن الكنيسة الروسية وقطع العلاقة مع الروم الأرثوذكس يطرح التساؤلات.. كيف لعبت السياسة فوق مذبح الرب؟.. وكيف تغيرت خريطة العالم الأرثوذكسى؟.. وهل يؤثر القرار على الكنيسة القبطية المصرية؟ الكنيسة الأرثوذكسية الروسية
سارة علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
باغتت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، بطريركية الإسكندرية للروم الأرثوذكس بقطع علاقاتها معها بعد أن اعترفت الأخيرة باستقلال الكنيسة الأوكرانية التي شكلت جزء تاريخيا من كنيسة روسيا، التطورات الأخيرة تبدو وكأنها ستغير خريطة العالم الأرثوذكسي، إذ تتبدل مواقع وتقطع علاقات وتنال كنيسة اعتراف أخرى وهي كلها تحركات تلعب فيها السياسة دور الضوء من الظل إذ لا تظهر في المشهد مباشرة ولكنها تبقى محركا خلفيا لكل ما يدور، بينما يلقي التاريخ بظلاله أيضا على تلك الأحداث.
 
خريطة العالم الأرثوذكسي قبل انفصال كنيسة أوكرانيا عن روسيا.
 

يوضح كيرلس بشرى الحاصل على ماجستير اللاهوت الأرثوذكسي من جامعة فيينا تلك الخريطة:

 
كانت نتيجة لقرارات مجمع خلقيدونية عام 451م أن انقسمت الكنيسة إلى شطرين:
1- الكنائس غير الخلقيدونية: وتضم الكنيسة القبطية (ومعها الحبشية)، وكنيسة أنطاكية، وكنيسة أورشليم، وكنائس آسيا الصغرى -عدا القسطنطينية- التي –كنائس آسيا الصغرى- في طبيعة واحدة للمسيح، وحالياً الكنائس الشقيقة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي الكنيسة الحبشية والإريترية والسريانية والهندية والأرمنية).
2- الكنائس الخلقيدونية: تضم كنيسة روما(الفاتيكان) وكنيسة القسطنطينية - اللتين اعتنقتا المعتقَد القائل بأن للمسيح طبيعتين ومشيئتين.
 
أما بالنسبة للعائلة الكنسية الأرثوذكسية فتضم فريقين الأول هو الكنائس اللاخلقدونية الأرثوذكسية وهي 6 كنائس كما أسلفنا أهمها القبطية الأرثوذكسية المصرية، بينما يضم الفريق الثاني الكنائس الخلقدونية الأرثوذكسية وفي قلبها الكنائس البيزنطية أو كرسي القسطنطينية.
 

كرسى القسطنطينية وتأسيسه:

 
الكنيسة البيزنطية أو البطريركية المسكونية تمثل قلب عائلة الكنائس الارثوذكسية الخلقيدونية.
 
نظرا للمكانة المدنية للقسطنطينية كعاصمة للإمبراطورية البيزنطية صار لكرسى القسطنطينية مكانة دينية خاصة فمع تأسيس القسطنطينية عام 330م تحولت كنيسة بيزنطية من جزء من ايبارشية هيراكيا من كرسى انطاكيا إلى بطريركية مثل كرسى انطاكيا وكرسى روما وكرسى الإسكندرية.
وفى نطاق الكنائس التى قبلت مجمع خلقيدونية تزايدت مكانة كرسى القسطنطينية ومنذ عام 520م صار بطريرك القسطنطينية يحمل لقب البطريرك المسكونى، أي بابا
 

العمل التبشيري.

 
 كرسى القسطنطينية خلال الحكم البيزنطى:
 
عاشت الكنيسة البيزنطية فترة ازدهار فى العمل التبشيري من منتصف القرن التاسع الميلادى حتى سقوط القسطنطينية سنة 1453 م حيث لم يكن مسموحا بالكرازة أثناء الحكم التركى ،أعلنت الدولة العثمانية انها حامية للأرثوذكسية بدلا من الإمبراطورية البيزنطية، ثم منحت الدولة العثمانية للكنيسة السلطة الروحية والسلطة المدنية على الرعايا مع وضع الارثوذكس الروم فى الإمبراطورية العثمانية تحت اسم " ملة الروم " وجعل البطريرك الرئيس المدنى والروحى "لملة الروم"، وأثناء الفتوحات التركية قبل سقوط القسطنطينية سقطت أغلب إيبراشيات هذه المناطق تحت الحكم التركى وانقطعت الصلة بينها وبين كرسى القسطنطينية التى كانت تتبعه لذلك انكمشت تتدرجيا الإيبراشيات الخاضعة لكرسى القسطنطينية.
 
مع استمرار الفتوحات التركية فى اوربا الشرقية وخضوع بلغاريا ورومانيا وصربيا واليونان للإمبراطورية العثمانية خضعت كنائس هذه البلاد لكرسى القسطنطينية بعد أن كانت مستقلة إداريا.
 

الكنائس المستقلة عن القسطنطينية

مع سقوط القسطنطينية ارتفعت الاصوات فى موسكو مطالبة باستقلال كنيسة روسيا لتأخد دورها فى قيادة العالم المسيحى برعاية القياصرة الروس الارثوذكسيين، فاستقلت الكنيسة الروسية عن البطريركية المسكونية سنة 1589 .
استقلت كنيسة اليونان سنة 1833 واعترفت بها الكنيسة البيزنطية سنة 1850 .
استقلت كنيسة صربيا عام 1879.
استقلت كنيسة رومانيا سنة 1885 .
استقلت كنيسة بلغاريا سنة 1871 واعترفت بها الكنيسة البيزانطية سنة 1845
 

كيف تغيرت هذه الخريطة باستقلال الكنيسة الأوكرانية؟

في يناير 2018 أعلنت الكنيسة الأوكرانية انفصالها عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، الأمر الذى أثار جدلًا واسعًا في موسك، حيث أعلن بترو بوروشينكو، الرئيس الأوكراني، البدء في إنشاء كنيسة أرثوذكسية أوكرانية مستقلة في إطارإجراء تاريخي تتخذه أوكرانيا بالانفصال عن الكنيسة الروسية.
ورغم حظر روسيا حضور أساقفة الكنائس في الأجزاء الموالية لها من أوكرانيا، شوهد اثنان من أساقفة هذه الكنائس أثناء حضور المجلس الخاص.
انعقد مجلس خاص للأساقفة في كاتدرائية سانت صوفيا الأثرية التي تمثل أحد أهم المعالم في العاصمة الأوكرانية كييف وحضر المجلس الخاص أساقفة أرثوذكس من مختلف الطوائف الموجودة في أوكرانيا وأجروا تصويتا أشارت نتيجته إلى انتخاب الأسقف إيبيفاني، 39 سنة، رئيسا للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة بعدها منحت بطريركية القسطنطينية المسكونية باسطنبول الكنيسة الأوكرانية مرسوما يضمن لها استقلالها وقال الرئيس الأوكراني، أثناء خطاب ألقاه في الساحة الخارجية للكنيسة، إنه "يوم لن ينساه التاريخ، يوم الانفصال النهائي عن روسيا. "
 
وقبيل اجتماع المجلس الخاص، دعا البطريرك كيريل، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، القيادات الدينية وزعماء العالم إلى حماية المؤمنين ورجال الدين في أوكرانيا من الاضطهاد.
 

تفاصيل الصراع بين كنيسة روسيا وكنيسة أوكرانيا

وكانت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية تابعة للبطريركية في موسكو لقرون عدة، لكن توترات تراكمت على مدار السنوات بين البطريركية الروسية والكنيسة الأوكرانية منذ استقلال أوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.
 
وكان في أوكرانيا قبل اجتماع المجلس الكنسي الخاص في كييف الأحد ثلاثة فروع للكنيسة؛ هي الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية (بطريركية كييف)، والكنيسة الأرثوذوكسية (بطريركية موسكو)، والكنيسة الأرثوذوكسية المستقلة.
 
لكن الوضع تغير الآن، إذ أصبحت بطريركية كييف والكنيسة الأرثوذوكسية المستقلة عضوتين في الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المستقلة الجديدة.
وكان المحرك الأقوى على الإطلاق لاستقلال الكنيسة الأرثوذوكسية الأوكرانية هو ضم روسيا إقليم القرم وسيطرة الانفصاليين الأوكرانيين الموالين لروسيا على المنطقة بأكملها شرقي أوكرانيا، وهو الذي زاد من قوة الدافع إلى الاستقلال في 2014.
 
ونفت الكنيسة مزاعم أحاطتها بأنها أداة سياسية تستخدمها الحكومة الروسية في الضغط على أوكرانيا، مؤكدة أنها تسعى إلى إحلال السلام في شرق أوكرانيا.
 
وكانت بطريركية القسطنطينية المسكونية هي الجهة الأرثوذوكسية الأولى في العالمي التي تتراجع عن قرارها الذي يعود تاريخه إلى عام 1686 بنقل تبعية بطريركية كييف الأرثوذوكسية إلى بطريركية موسكو، وأعربت الكنيسة الروسية في موسكو عن مخاوفها حيال فقد 12 ألف رعاياها في أوكرانيا.
 
جراء هذا الانفصال أعلن الأنبا ثيؤدوروس الثاني بطريرك الإسكندرية لكنيسة الروم الأرثوذكس اعترافه بالكنيسة الأوكرانية الأمر الذى دفع كنيسة موسكو لإعلان قطع علاقتها معه.
 

هل يؤثر قرار استقلال كنيسة أوكرانيا على علاقة الكنيسة القبطية بنظيرتها الروسية؟

لم يكن لهذا القرار أي أثر في الأوساط الكنسية القبطية بالقاهرة، إذ أن كرسي الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس بعيد كل البعد عن المناوشات التي تدور بين موسكو وكييف ولكن وسائل إعلام روسية اقحمت اسم البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في قرار قطع العلاقات مع كنيسة الروم الأرثوذكس  بدلا من الإشارة للبابا ثيؤدوروس الثاني بطريرك الروم الأرثوذكس وهو أمر يرى دكتور سليمان شفيق المتخصص في الشئون الكنسية إنه قد حدث بشكل متعمد فمن الصعب أن تخطئ وسائل إعلام روسية في نقل قرار اتخذته الكنيسة في موسكو.
 
الشائعة التي تسبب فيها تشابه الأسماء بين بابا الكنيسة القبطية وبابا كنيسة الروم، ضغطت على الكنيسة المصرية لإعلان موقفها من حالة الانقسام التي تدور رحاها في أوروبا الشرقية فاضطر القس بولس حليم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية لنشر بيانات سابقة تشير لاتفاقية تعاون لاهوتي موقعة بين الكنيسة الروسية والكنيسة القبطية تقضي بتبادل البعثات بين الكنيستين وكأنه إعلانا ضمنيا عن موقع الكنيسة المصرية من هذا الصراع.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة