أكد الدكتور محمد البشارى، المفكر الفرنسى، وأمين عام المجلس العالمى للمجتمعات المسلمة، إن الدولة الحديثة هى التى تجعل من مواطنيها قدوة لغيرهم، مشيرا إلى أن مصر مصر قدمت للعالم نموذجا حديث فى بناء الدولة الحديثة.
وأضاف البشارى على هامش مؤتمر الأوقاف لبناء الدول، أن الجماعات فسرت الإسلام بعدة أشكال، وتنوعت بين تفسيرها على أساس أصلها من النص المقدس "القران الكريم"، أو إحالتها إلى تفسيرات وتأويلات وقراءات وشروحات القرآن الكريم، أو ما يعبر عنه ب"التراث الإسلامى"، كالتفسير وعلوم القرآن، أو ما أحال المفهوم من تمثلات الإسلام العملية وتجسيده فى الواقع فى مسيرته الطويلة، بوصفه "تجربةً بشريةً تفاعلت مع المعطيات المتنّوعة لكل عصر، وتشكلت تبًعا لثقافات الشعوب المختلفة، وأنماط عيش المجتمعات المتنّوعة عبر التاريخ، وتجليات حضارات المجتمعات التي آمنت بالإسلام.
وقال إن التحولات المتسارعة الطارئة على العالم العربى، أوجدت مساحة واسعة، سمحت بنشر المعمعة الفكرية، وزيادة الضبابية، التي اتخذ منها الكثير "فرصة تنصيب" و أرضية خصبة لفرض أفكارهم المبنية على قضاء مصالحهم المبطنة، ليبثوا على الصعيد الثقافي والإعلامي فقط مئات المنشورات والمؤلفات آخذة من قضية "بناء الدول" طعماً لها، ليكون الهدف هو تطويع الظروف ونزع مقومات وأساسات الدول و"أسلمتها" انتصاراً لفكرة "الدولة الإسلامية"، عن طريق تجييش المجتمعات "عاطفياً"، دون الالتفات عما إذا قد أفرز الإسلام نموذج دولة فعلية قابلة للتعميم، وعن ظروف تكوين تلك الدولة وصلاحية استنساخها لكل زمان ومكان. فالنبي الكريم – صلى الله عليه وسلم - قد جاء لنا بالكثير من سننه الشريفة والتصرفات النبوية التي وُجدت لتصرف لكافة أمور الأزمنة إذا ما صَلحت لذلك، ومنها ما وَرَد للتطوير منه والأخذ بأسبابه والتصرف بما يناسبه، ومثال ذلك موقف "تأبير النخل" المعروف، وليس لجهة ولا لفرد أن يطوع ثاني مصادر التشريع لما يراه هو آخذاً ما وافقه، ومتجنباً ما يقيم الحجة عليه.
وقال إن ما تحاول جماعات "الإسلام السياسي" من فرضه على شكل وهيكلة "الدولة" فى العالم، لا يتخذ من الإسلام الحق قدوة حسنة، بل أن انحسارها فى الإطار الدينى يشبه لدرجة كبيرة شكل الدولة الدينية التى سادت فى العصور الوسطى فى أوروبا، والتى قامت على الإقطاع وتحالف السلطة الدينية مع السلطة المدنية.
وقال لابد من التنبيه لإشكالية أفرزت الكثير من المشاكل في الإحاطة بالموضوع بشكل دقيق، وهى عدم تمييز الجماعات الدينيِة بين إسلام الوحى، وإسلام التراث، وإسلام تجارب المسلمين عبر التاريخ، على الرغم من أن إسلام التراث وإسلام تجارب المسلمين لم يتحّقق بهما إسلام الوحي على الدوام، بل أحيانًا يكوُن إسلام الترا ِث وإسلام تجارب المسلمين ضدا لإسلاِم الوحي في المفهومات والممارسات والمواقف. وبلا شك فإن حالة التشنج الدينى التى ترنوا إلى تطبيقها جماعات الإسلام السياسى، ما هى إلا بداية لإعادة التجربة الحاصلة فى حقبة حكم الكنيسة فى أوروبا قديماً، التى نعرف عواقبها.
واستكمل إن الدولة "الإسلامية" التى بناها الرسول (ص) كانت تجاوزا راديكالياً للانتظام القبلي، وتجلى هذا التجاوز بشكل رئيس في بناء العضوية أو المواطنة على التزام تعاقدي يستند إلى جملة من المصالح، وليس على الرابطة التي ضعفت وخف وهج الالتفات اليها وهي رابطة الدم، ولكن جرت العديد من الحوادث والتطورات السياسية التي لها ما لها من ارتباط بالصراع فيما بين الجماعة الإسلامية وقريش أفقرت المواطنة وأضعفت محتواها المتعدد دينيا وسياسيا، ويرجع ذلك لتورط اليهود بحبك مؤامرات تستهدف أمن دولة الرسول الكريم، مما أدى لظهور دولة إسلامية بمعناها الكامل الذي لم يعترف بالمواطنة إلا لأهل الملة المسلمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة