تقف الإعاقة أحياناً حاجزاً أمام الإنسان، وتغدو أحياناً أخرى لتكون نافذة يعبر من ضوء المستقبل لإنسان يصنع المستحيل فى وقت كان فيه عاجزاً عن تحقيق أحلامه قبل ذلك، ولا تزال الأمثلة كثيرة فى تحدى الإعاقة، ومنها قصة الطفلة المعجزة "بسملة" التى أجبرتها ظروفها الصحية على تحدى المألوف من الرسم باليد إلى الرسم بالفم للاستمتاع بموهبتها.
"بسملة محمد فخرى" البالغة من العمر 13 سنة، تأتى إلى المرسم بقصر ثقافة العقاد بمدينة أسوان، كل أسبوع لتمارس هوايتها فى الرسم وسط العشرات من الأطفال، إلا أنها الوحيدة وسطهم التى تستخدم القلم بفمها لترسم الأشكال المختلفة بإتقان ومهارة، لتلفت انتباه الموجودين حولها وتخطف أنظار المحبين والمبدعين.
"اليوم السابع" التقى طفلة التحدى فى أسوان، لتحكى عن قصتها قائلةً: "بدأت موهبتى مع الرسم وأنا فى سن الرابعة عندما استلمت كتب الألوان وفكرت فى استخدام الألوان، فطلبت منى أمى أن امسك القلم بفمى فلم أستطع فطلبت منى أن أمسك القلم برجلى فلم أستطع، وبعد فترة فكرت فى الأمر وحاولت ونجحت فى التلوين بمهارة.
والدة الطفلة بسملة، هنادى السيد مصطفى، ربة منزل، تحكى عن الظروف الصحية للطفلة قائلةً: أنجبنا بسملة ومن قبلها ولدان "فخرى" و"أحمد" ثم أنجبنا بعد "بسملة"، "جهاد" و"مودة"، إلا أن ولادة بسملة كانت مختلفة لأنها جاءت الدنيا مصابة بخلل فى الأنسجة وضمور فى الأطراف العلوية، وأجرينا لها فى قدميها ما يزيد عن 14 عملية، واستطاعت بفضل الله أن تمشى على رجليها وإن كان المشى ليس طبيعيا ولكنه أفضل بكثير من الحالة الأولى، أما بالنسبة ليديها فلم نجرى لها أى عمليات جراحية لأننا صرفنا كل فلوسنا "على حد وصفها".
وتابعت أم بسملة، قصة ابنتها قائلةً: "الحمد لله ربنا عوضنا فى بسملة موهبتها فى الرسم، والتى اكتشفتها بالصدفة فيها بعد أن تسلمت كتب التلوين فى رياض الأطفال وشاهدتها تمسك الألوان بفمها وتلون بإتقان داخل حدود الرسم ولا تخرج عنه"، وعلقت الأم قائلةً: "موهبة بسملة هى التى دفعتنا للاهتمام بها".
"بسملة" اجتذبت أطراف الحديث عن موهبتها قائلةً: أول ما بدأت الرسم كان فى الرسومات الموجودة فى مفروشات السرير وتلك الموجودة فى أفلام الكارتون وعدد من الرسومات فى البيئة المحيطة، وعندما بدأت موهبتى تنمو وتكبر اشتركت فى العديد من المسابقات والجوائز فى محافظة أسوان وخارجها ومنها "ملتقى أولادنا للأطفال ذوى القدرات الخاصة" والذى يشارك فيه أطفال من دول أفريقية وعربية، وهناك التقيت بصديقتى "هلدا" المتسابقة النيجيرية التى كانت ترسم بفمها أيضاً، ورغم أنها كانت تتحدث الإنجليزية إلا أننى كنت أتواصل معها باستمرار، ودخلت معها فى تحدى واستطعت أن أتفوق عليها فى الرسم وربحت الجائزة الأولى، وعلقت قائلةً: "رفعت اسم مصر وأسوان بلدى".
وعبرت بسملة، عن شكرها وامتنانها لكل من وقف بجانبها وساعدها فى الوصول إلى موهبتها الإبداعية فى الرسم، بداية من أسرتها مروراً بمعلماتها فى المدرسة ووصولاً إلى "فاتن" موجه عام التربية الفنية بالتربية والتعليم بأسوان، وأيضاً "علية طلحة" المسئولة بقصر ثقافة أسوان.
وبصوت خافت يملؤه الأمانى، دعت الطفلة المعجزة المسئولين بتبنى موهبتها ومشاركتها فى المسابقات الدولية، وتخفيف عبء المعاناة عن أسرتها فى نقلها إلى المرسم الموجود فى مدينة أسوان لأنه يبعد نحو 30 كيلو متراً ذهاباً وإياباً عن منزلها بمنطقة السد العالى شرق، سواء بتوفير مسكن لها أو بتوفير مرسم داخل قريتها.
وعن أمنياتها المستقبلية، قالت بسملة: "أتمنى أن أصبح طبيبة صيدلانية تساعد المرضى والمحتاجين فى تخفيف الألم عليهم وصرف الدواء لهم، وعلقت: "ولا يمكن أن أنسى طبعاً هوايتى فى الرسم وأتمنى أن أطورها حتى أصبح رسامة عالمية".
وحول الحياة المعيشية للطفلة، أوضحت أم بسملة، بأنها تعد كل شيئ فى حياة الطفلة وتساعدها فى كل كبيرة وصغيرة دون كلل أو ملل، ومع شعور بالسعادة من أسرتها التى تشعر بالفرحة فى مساعدة هذه الموهبة الفريدة بين الأطفال والرسامين، لافتةً إلى أنها تساعد ابنتها فى الأكل والشراب والتنقل من المنزل إلى المدرسة وقصر الثقافة والمناسبات وغير ذلك، وتساعدها أيضاً شقيقتها الصغرى "جهاد" التى تصغرها بـ4 سنوات فى حالة غياب الأم عن المنزل.
محمد فخرى، والد الطفلة، الذى يعمل موظفاً بمستشفى الصحة النفسية بأسوان، أضاف لـ"اليوم السابع"، أن ابنته تستطيع أيضاً استخدام الهاتف المحمول والدردشة مع صديقاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وذلك من خلال اللسان الذى بدأ يتحرك نحو استخدام الهواتف الذكية بشكل أسرع فى الكتابة واللمس والتنقل بين الصفحات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة