عرفت الحضارات القديمة، مثل الحضارة السومرية والبابلية والفينيقية واليونانية والرومانية وحتى المصرية القديمة، القرابين، وكانت تقدم لعدة أغراض، منها: إرضاء الآلهة وبالتالى اتقاء غضبها، أو الوفاء بالنذور، أو الشكر على النعم، أو توسل الغفران، أو فقط لمباركة الماشية أو المزروعات أو العائلة.
وظهرت فكرة القرابين البشرية فى الأديان الإبراهيمية الثلاث من خلال قصة الذبيح سواء أكان هو إسحاق بحسب الإيمان اليهودى والمسيحى، وكما جاء فى الكتاب المقدس، أو إسماعيل كما يؤمن المسلمون، حيث يحتلفون اليوم بعيد الأضحى المبارك، لكن يبدو أن ظهور فكرة القرابين البشرية موجودة منذ قديم الأزل.
وتعد فكرة القرابين من أهم الشعائر فى الديانات القديمة، وكذلك الأديان المتأخرة، وعليه يفترض العالم المذكور أن نشأة تقديم القرابين ترجع إلى بداية ظهور الدين فى حياة الإنسان، وذلك لأنها متمثلة فى جميع الأديان، ويرى أن غرض تقديم القرابين للآلهة هو توليد الرابطة الاجتماعية الوثيقة بين الإله والبشر، وذلك وفقا للكتاب " الأعياد في حضارة بلاد وادي الرافدين، للدكتورة راجحة خضر النعيمي.
وبحسب ما تذكره موسوعة "قصة الحضارة: الجزء الأول ص 144" للفيلسوف والمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت، فإن القرابين البشرية عرفت منذ الإنسان البدائى، ومن الدلائل ما وجد فى جزيرة كارولينا فى خليج المكسيك، من تمثال معدنى كبير لإله مكسيكى قديم، وجد فيه رفات كائنات بشرية، لا شك أنها ماتت بالحرق قربنا لله، بحسب وصف المؤلف.
كما يذكر عن الإله "ملخ" وهو إله كنعاني قديم، كان الفينيقيون والقرطاجنيون، وغيرهما من الشعوب السامية، يقدمون له القرابين من بنى الإنسان.
ويرى المؤلف أنه ربما كان منشأ هذه العادة أكل البدائيين للحوم البشر، فظنوا أن الآلهة تستمرئ من الطعام ما يستمرئون، ولما كانت العقيدة الدينية أبطا تغيرا من سائر العقائد، ولما كانت الشعائر الدينية أبطا تغيرا من العقائد نفسها، فقد امتنع الإنسان عن أكل لحوم البشر، لكن بقى التقليد قائما بالنسبة للآلهة، وربما تغيرت تلك الشعائر بفضل تطور الأخلاق.
ويذكر الباحث السورى الدكتور محمد شحرور، فى كتابه " السنة الرسولية والسنّة النبوية: رؤية جديدة" أن القرابين البشرية شاعت فى عصر البابليين، إلى أن جاءت واقعة إبراهيم وابنه إسماعيل ليبطل الله هذه الشعيرية الوثنية، وينسخها بالقرابين الحيوانية.
ويوضح الكتاب أن القرابين فى عهد الفراعنة كانت تقدم لآلهة ظواهر الطبيعة كالخصب والقحط والسيول، بينما كانت تقدم عند اليونان لآلهة البراقين والزلازل والعواصف الرعدية، ومن اعتقد المصريون القدامى بأن النيل لا يجرى كل عام إلا بعد تقديم عروس جميلة عذراء يزفونها إليه يوم عيد الصليب ليرضى، وظلت هذه الشعيرة الفرعونية قائمة حتى جاء الفتح الإسلامى فى مصر على عمرو بن العاص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة