"الأضحية" من شعائر الإسلام، ومن أعظم القربات والطاعات إلى الله تعالى، إحياء لسنة نبى الله إبراهيم الذى جسد كل معانى الطاعة، حينما أمره ربه أن يذبح ولده إسماعيل، فاستجاب لأمر الله دون تردد قبل أن يفتديه المولى عز وجل بـ"كبش" عظيم، فهى عبادة مشروعة فى الكتاب والسنة، يحرص عليها المسلمون خلال أيام التشريق، ويكمن أحد شروطها أن تكون من بهيمة الأنعام، وهى الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) الحج/34.
ولكن هل فرضت الديانات الأضحية قبل الإسلام؟ أم انفرد المسلمون دون غيرهم بممارسة تلك العبادة.. وهل اقتصرت على الأنعام أم أشياء أخرى؟ وكيف اعتقد الوثنيون القربان وسيلة للتقرب إلى الله؟.
بداية.. لم ينفرد الإسلام عن غيره من الديانات بتقديم الأضحية، حيث اعتاد العرب قبل الإسلام تقديم القربان إلى آلهتهم التى يعبدونها فى المناسبات الدينية، معتقدين أنها تقربهم إليها، كما اختلفت أشكال تلك الأضحية ولم تقتصر على الحيوانات فقط بل وصل الأمر إلى تقديم البشر أحيانا، فتجد فى بعض الديانات من يقدمون أطفالهم فى شكل قربان.
الأضحية عند اليهود
وفقا للعهد القديم، فإن التضحية ببقرة حمراء يعد ركنا أساسيا فى الديانة وطقسا من طقوس العبادة،حيث يتم حرق البقرة وأخد الرماد ويضاف إليه الماء ليتطهر الشخص، ويعتقد اليهود أن أكل لحم البقر جائز، ما دام مذبوحا وفقاً للطريقة الدينية "شيشيتا"، وهناك من اليهود من يذبحون الدجاج والماعز على أبواب المعابد، حيث يذبحها الشخص صاحب الخطيئة لطلب الغفران.
وهناك من يمارس "الكاباروت" وتعنى بالعربية "الكفّارة"، وهو أحد الطقوس اليهودية المنتشرة على نطاق واسع، ويمارسه المتدينون منهم عشية يوم الغفران، وهى إحدى الشعائر التى تكفر الذنوب وتنقل الخطايا بشكل رمزى إلى طائر _ ديك للرجل ودجاجة للمرأة _ يتم خلاله تدوير الشخص الطائر الحى حول رأسه ثلاث مرات، مع تلاوة بعض المزامير وفقرات من سفر أيوب، ثم يُدار حول رأسه، ويُفضَّل أن يكون الطائر أبيض اللون، وتلاوة الدعاء التالى: "هذا هو بديلي، قرباني، الذى ينوب عنى فى التكفير عني"، ثم يُعطَى الطائر بعد ذلك لأحد الفقراء، أما أمعاؤه فتُقدّم للطيور.
أما "مولوخ" الذى ورد ذكره فى التاريخ العبرى، فهو إله كنعانى قديم، ولكنه كان ذى نزعة شريرة لا يرضيه إلا قرابين الأطفال، فكانوا يقدمونها لإرضائه، فيتم حرق الأطفال بالقرب من مذبحه لتقديمها قربانا له.
القربان فى المسيحية
ذكرت الأضحية فى الكتاب المقدس، بأن يوسف ومريم قدّما حمامتين أضحية عند ولادة المسيح، كما قدّم الرسول بولس النذر حتى بعد وفاة المسيح، وما زالت بعض القرى فى اليونان تقدم الأضاحى المذبوحة مثل الماعز والديوك إلى رجال الدين الأرثوذكس والتى يعرف اسمها بـ"كوربانيا".
القرطاجيون.. ذبح الأطفال الرضع للتقرب إلى الآلهة
كان المجتمع القرطاجي، بحيب الروايات التاريخية، من أغنى وأقوى المجتمعات فى العالم القديم، إلا أنهم كانوا يمارسون طقوسا غريبة، كانت توصف بالمآسى الإنسانية، حيث كانوا يذبحون الأطفال الرضع للتقرب إلى الآلهة معتقدين أن ذلك مصدر السعادة لهم ولحفظ ثرواتهم وأموالهم، ومن لم يقدم تلك القرابين فيتوقع أن تنزل عليه من الشرور والكواث ما لا يطيقه.
الهندوس.. ذبح الجاموس والماعز والحمام يجلب الحظ
أما الهندوس فاختلفوا حول مسألة ذبح الحيوانات، إلا أن الطائفة الشاكتية تبيح الذبح، وهناك من لا يحرمها بشكل صريح ولكنه يشجعها مثل لغيتا والبوراناس، واستخدم مصطلح "بالى" فى الهندوسية للإشارة إلى الأضحية بالحيوانات، وهو طقس مقدس للتقرب إلى الإله الأنثى الوحيدة "شاكتى".
وفى نيبال ينظم الهندوس مهرجان "غادهيماى ميلا"، ويتم الاحتفال به كل خمس سنوات ويستمرة لمدة يومين فى معبد "غادهيماي"، الذى يقع حوالى 160 كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة كاتماندو، ويذبح الهندوس خلال هذا المهرجان آلاف من الحيوانات تقربا لإله القوة، معتقدين أن قتل الجاموس والماعز والحمام يجلب لهم الحظ. وفى عام 2009 قُدرت أعداد الحيوانات المذبوحة بالمهرجان بحوالى 350 ألف رأس ماشية، وكان العدد المتوقع 500 ألف رأس، بالرغم من الدعوات لحظر هذا المهرجان.
الصينيون القدماء وتقديم البشر قرباناً
أما قدماء الصينيين فاعتادوا تقديم البشر قربانا للآلهة، خصوصاً سلالة شانغ بهدف التحكم الدينى والسياسى، وأثبتت الأدلة الحفرية وجود بعض الحفريات للأضاحى البشرية، خاصة التى تتعرض للعنف قبل الموت.
نزع أحشاء البشر فى هاواى واستخراج القلوب فى أمريكا الوسطى
وقيل إن سكان هاواى الأوائل كانوا يضحون بالبشر لطلب المساعدة من إله الحرب "كو"، حسب معتقداتهم، وكانوا يأتون بالأسرى عند المعابد، ويعلقون من أقدامهم، خاصة رؤساء القبائل المعادية، وينتزعون أحشاءهم من بطونهم. فضلا عن مجتمع الأزتيك فى أمريكا الوسطى الذى كان يقدم أرواح البشر قربانا للحفاظ على الشمس، حيث كانوا يؤمنون بأن الدماء البشرية مصدر قوة للحياة المقدسة، فكانوا يأتون بأبناء القبائل الذين يتم أسرهم فى الحروب ويؤمرون بالمشى حتى سلم المعبد إلى قمته ليأتى رجل الدين فيشق بطونهم ويستخروجن قلوبهم لتقديمها قربانا للإله ثم تقطع باقى الجثة عند المعبد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة