أتذكر دائما كلمات الدكتورة انشراح الشال، أستاذ الإعلام فى جامعة القاهرة – رحمة الله عليها – حين كنت فى الفرقة الأولى بالجامعة، وفى محاضرة لمادة "مدخل فى علم الاجتماع الإعلامى"، وكانت تتحدث عن دور السينما فى تشكيل الوعى، وأهميتها للشباب، واستوقفت الأستاذة الكبيرة أحد الزملاء فى الدفعة وسألته عن السينما، فأجابها بسرعة شديدة قائلا: "لم أذهب إلى السينما من قبل".. انفعلت انشراح الشال وقالت كيف أن طالب فى كلية الإعلام جامعة القاهرة لا يعرف السينما حتى الآن، ولم يدخلها من قبل.. فلماذا يدرس الإعلام ؟ ومن أتى به إلى هنا ؟
عندما سمعت كلمات انشراح الشال وسؤالها عن السينما، حمدت الله على قصر الثقافة فى مركز ببا محافظة بنى سويف، الذى كان يفتح أبوابه فى الأعياد والمواسم حتى نعرف ما السينما ونتابع الأفلام المعروضة فى ذلك الوقت، فقد كنا مع مجموعة الأطفال فى المرحلة الإعدادية نتوجه إلى قصر ثقافة ببا، وبتذكرة لا تتعدى جنيهات معدودة ندخل فيلما جديدا يعرض فى نفس التوقيت بالقاهرة، وأتذكر فى ذلك التوقيت أنه كان فيلم " صعيدى فى الجامعة الأمريكية" قبل 21 عاما، وقد كنت فى الصف الثالث الإعدادى.
للأسف لم تعد هناك سينمات فى ببا ولا المراكز المجاورة ولا حتى بنى سويف المحافظة، وبات كل الشباب لا يعرفون ما السينما وسيفشلون فى الرد على أى سؤال عنها، فالمحافظة التى يصل عدد سكانها إلى 3.2 مليون نسمة، وفق تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، لا يوجد بها دار سينما واحد، بعد إغلاق سينما قصر الثقافة وسينما النصر، كما لا توجد أى سينمات أو دور عرض خاصة فى المحافظة.
محافظة بنى سويف التى تمتلك ظهير صحراوى وأراضى متسعة شرق النيل، ويجرى عليها الآن جامعات ومستشفيات وخدمات لا حصر لها، لم تفكر مرة واحدة فى تأسيس دار سينما لمواطنيها، ثم نتشدق وننتقد ونتحدث عن التطرف والإرهاب وتحصين الشباب والأفكار والتوعية والخطاب الدينى، وقضايا عديدة دون طائل أو فائدة.. لم تفكر وزارة الثقافة أو المحافظة بكل المحافظين الذين تعاقبوا عليها خلال السنوات العشر الأخيرة فى تأسيس سينما واحدة، او حتى إعادة تشغيل المتوقف منها، على الرغم من أن هذه المحافظة بها 7 مراكز كبيرة و39 وحدة محلية وعشرات القرى الصغيرة، وكأن مواطنيها لا يجب أن يفكروا فى هذا النوع من الثقافة ويفكروا فقط فى الخبز ورغيف العيش وأنبوبة البوتاجاز والمرافق والخدمات.
محافظة بنى سويف التى تعتبر متحفاً تاريخياً لكل العصور، و تشمل العديد من كنوز مصر، وتبعد عن القاهرة العاصمة 120 كيلو متر فقط، و يوجد بها هرم ميدوم المدرج، وتتنوع بها الآثار الفرعونية فى المراكز والقرى (أبو صير إهناسيا _ جبانة سدمنت الجبل - دشاشة - الحيبة ) وبها العديد من الآثار القبطية مثل دير الأنبا بولا ودير القديس أنطونيوس في مركز ناصر وكنيسة السيدة العذراء بقرية بياض العرب شرق النيل ودير مارى جرجس بسدمنت الجبل، وعلى الرغم من كل هذا لا يوجد بها سينما واحدة.
تأسيس سينمات أو إحياء قصور الثقافة على مستوى الجمهورية ليس بالأمر الصعب أو المكلف، فالأماكن موجودة والموظفون والعمال موجودون أيضا ويتحصلون على رواتبهم دون أن يقدموا ما يخدم الجمهور ويثرى حركة الثقافة، التى يجب أن يكون يكون دورها الحقيقى تنوير العقول وتطوير القدرات الإبداعية لدى الشباب، وليس مجرد حفلات الأوبرا أو المعارض الفنية ومراكز الترجمة، والمجلس الأعلى للثقافة، واتحاد الكتاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة