العلاقة بين المال والفن قديمة، أحيانا تكون مفيدة ومضرة فى الوقت نفسه، ولعل ما حدث فى أوروبا مؤخرا يكشف لنا عن كواليس هذه العلاقة، وتظهر مدى سيطرة رجال الأعمال وكبرى الشركات العالمية على المتاحف العالمية الكبرى وسوق الفن العالمى الآن.
سطوة المال فى المتاحف لم تكن فقط بإطلاق أجنحة بأسماء شركات عالمية فى متاحف كبرى، مستفيدة من تبرعاتها الكبرى لتلك المتاحف، بل وصلت إلى وجود أصحاب الشركات فى مناصب إدارة هذه المتاحف، بعضهم قد يخفى بوجوده فى دعم مثل هذه الأماكن الثقافية، وجها آخر من أعمالهم التى تقوم بها شركاتهم ضد الإنسانية.
وبالأمس استقال وارن كاندرز، نائب رئيس مجلس إدارة متحف ويتنى للفن الأمريكى فى نيويورك، عقب حملة احتجاجية مستمرة ومتصاعدة ضد المتحف، جاءت هذه الخطوة بعد أسبوع واحد فقط من دعوة لمقاطعة المتحف تسببت فى موجة التى تسببت فى قيام فنانين بالانسحاب من بينالى ويتني.
وكانت الاحتجاجات وقعت بسبب تعامل مؤسسة نيويورك التابع لها المتحف، مع وارين كاندرز الرئيس التنفيذى لشركة سفاريلاند، التى تصنع عبوات الغاز المسيل للدموع، والتى تم استخدامها ضد طالبى اللجوء على الحدود الأمريكية المكسيكية، والتى اعتبره المعارضون فعل غير أخلاقى ينبغى على المتحف عدم التعامل مع المسئولين عنه.
حدث ذلك أيضا فى أعقاب قيام الكاتبة المصرية الدكتورة أهداف سويف، بتقديم استقالتها من مصبها كأمين للمتحف البريطانى، وقالت سويف إن استقالتها لم تكن بسبب مشكلة واحدة. بل كان ردًا تراكميًا على عدم تحرك المتحف فى القضايا ذات الأهمية الحاسمة للأشخاص الذين ينبغى أن يكونوا هم فى دائرة اهتمامه الأساسية وهم الشباب والأقل حظًا.
ومن هذه القضايا الحاسمة هى حصول المتحف على تمويل من شركة "بريتيش بتروليوم BP"، رغم أنها من الشركات المتسببة فى ظاهرة الاحتباس الحرارى بالعالم. بجانب تعاطفها مع عدد من عمال المتحف، خاصة مع تزايد المعاناة التى يشعر بها هؤلاء العمال يوميا بعد أن كانوا موظفين فى إحدى الشركات التابعة للمتحف فتم نقلهم لشركة أخرى دون أن يتم تأمين وضعهم بالشكل الكافى، مؤكدة أن هذه القضية العمالية أثرت فيها بشكل كبير.
وسبق استقالة "أهداف سويف" قيام متحف اللوفر بباريس بإزالة اسم جناح ساكلر من جدرانه وموقعه على الإنترنت، حيث جرد متحف باريس اسم عائلة الملياردير "ساكلر" الذى يعد من أشهر محبى الأعمال الفنية، بسبب اتهامات لشركته بإنتاج وصفات طبية تؤدى للإدمان.
وتأتى إزالة الاسم من جناح الآثار الشرقية فى أعقاب احتجاج فى المتحف فى وقت سابق من هذا الشهر من قبل المصورة والناشطة الفنية الأمريكية نان جولدين خارج متحف اللوفر فى باريس، حيث طالبت الاحتجاجات بأن يقوم المتحف الأكثر زيارة فى العالم بتغيير اسم جناح "ساكلر" داخل المتحف العريق، لأن بعض عائلة الملياردير، الذى يعد من أشهر محبى الأعمال الفنية، استفاد من إنتاج شركاته لوصفات طبية وصفته بأنها تسبب الإدمان.
الأمر الدال على مدى تحكم المال بصورة كبيرة أيضا فى مصائر المتاحف العالمية ظهر جليا مع استقالة "آن شيفر" مدير متحف برلين، والذى تقدم بها الشهر الماضى إلى وزيرة الثقافة الألمانية مونيكا جروترز، لتجنب إلحاق مزيد من الضرر بالمتحف اليهودى، على حد وصفه، حيث طالب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بوقف تمويل المتحف اليهودى فى برلين، كما هددت منظمات يهودية كبرى فى ألمانية بوقف تمويل المتحف، مما أدى لاستقالة مدير المتحف وقبولها من قبل وزارة الثقافة الألمانية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة