محمد حبوشه

سهم نافذ في صدر "شايلوك" الإيجارات القديمة وأعوانه!

السبت، 20 يوليو 2019 12:52 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بإعلان الدكتور علي عبد العال، رئيس البرلمان المصري، الإثنين الماضي، عن فض دور الانعقاد البرلماني الرابع، والذي تم خلاله إنجاز 156 تشريعًا، ومن المقرر العودة خلال أول شهر أكتوبر من العام الجاري، وذلك دون تمرير بعض القوانين، أولها قانون الإيجار القديم، والتعديلات التي أدخلت عليه، يضع كثير من علامات الاستفهام حول المجلس، حيث أن المحكمة الدستورية كانت قد أصدرت حكمًا تلزم فيه البرلمان بإصدار تعديلات على قانون الإيجار القديم للوحدات غير السكنية، من شأنها تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، إلا أن قرار إرجاء المناقشة لدورة الانعقاد القادم جاء بمثابة سهم نافذ في صدر "شايلوك" الإيجارات وأعوانه من مافيا العقارات في مصر.
 
ويرجع سبب الإرجاء إلى أن حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 11 لسنة 23 قضائية دستورية بجلسة الخامس من مايو 2018، يقضي بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981 " في شأن بعض الأحكام الخاصة، بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فيما تضمنه من إطلاق عبارة لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء الأماكن المؤجرة للأشخاص الاعتبارية لاستعمالها في غير الغرض السكني، وكان البرلمان قد أقدم على تعديلات قانون الإيجار القديم، وأدخلت لجنة الإسكان تعديلاتها على القانون الذي أرسلته الحكومة، إلا أن الخلاف دب في البرلمان بسبب إضافة اللجنة لكلمة "الأشخاص الطبيعية" إلى جانب "الاعتبارية" في التعديلات على القانون، رغم أن ذلك لم يرد في حكم المحكمة الدستورية.
 
لكن الأغلبية البرلمانية "دعم مصر ومستقبل وطن"، قلبت طاولة المناقشة باعتراضها على تطبيق قانون الإيجار القديم على الأشخاص الطبيعية، مطالبة بالاكتفاء بما ورد في حكم المحكمة الدستورية وتطبيقه على الأشخاص الطبيعيين فقط، هذا الخلاف حول تطبيق قانون الإيجار القديم على الأشخاص الاعتبارية والطبيعية، جعل رئيس البرلمان الدكتور علي عبد العال، يدعو لإرجاء مناقشة القانون إلى جلسة لاحقة، من دور الانعقاد الرابع، لكنه عاد وأعلن عن فض دور الانعقاد دون مناقشة القانون، لأن هذا يضع النواب تحت طائلة مخالفة حكم المحكمة الدستورية، الذي كان قد ألزمها بتعديل القانون خلال دور الانعقاد الرابع، ومن ثم فقد رفع ظلما بينا من على عاتق المستأجرين البسطاء من أبناء هذا الوطن.
 
لذا وجب تقديم الشكر إلى كل من : الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يراعي حقوق البسطاء من أبناء هذا الوطن، والشكر الخاص لأجهزه الدوله المصريه بكافة هيئاتها وأفرعها لإداراتها لأصعب أزمة مجتمعية كانت ستعصف حتما بالمصريين جميعا في حال تمرير القانون المشبوه بمخالفة صريحة لأحكام الدستورية العليا، ولولا فطنه ويقظة الدولة ومجلسها النيابي الموقر لأبعاد هذه الأزمه لحدثت فتنه مجتمعيه كبرى، والشكر موصول أيضا للدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب، وحزب الوفد بقيادة المستشار بهاء الدين أبو شقة، وأحزاب ونواب "دعم مصر ومستقبل وطن وحماه الوطن" وباقي كافة الأحزاب والائتلافات التي رفضت هذا القانون.
 
شكرا لصديقي الجندي المجهول "محمد عبدالرحمن"، والذي أعياه التعب في التنسيق بين كافة الأطراف لنجاح تجاوز هذا الملف الحيوي، وأيضا أشكر جهود المستشارة "تهاني الجبالي"، ولكل جبهات الدفاع عن المستأجرين، ونثمن جهود نائب بولاوق الدكرور المهندس محمد إسماعيل، عضو لجنة الإسكان، وكذلك المستشار محمود العسال رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمستشارمحمدعبدالعال محامي المستأجرين والذي بذل جهودا مضنية مع  المستشار شريف الجعار والمستشار هشام الرفاعي في رفع الظلم عن بسطاء المستأجرين من خلال المؤتمرات الجماهيرية واللقاء التليفزيونية العاصفة، شكرا لكل الصحفيين الذين ساندو القضية، وعلى رأسهم الشاعر الكبير والكاتب الصحفي فاروق جويدة، وشكرخاص للزميل المرحوم جمال يونس رئيس تحرير الوفد.
 
الخطورة في واقع الأمر كانت تكمن في قيام لجنة الإسكان بإدراج جميع المستأجرين، الاعتبارى وغير الاعتبارى، حيث ساوت بين إيجار مكتب البريد وإيجار المكوجي وإيجار البقال فى حارة ضيقة في حى شعبي أو في قرية صغيرة نائية، وذلك بإقرارها الزيادة المتفق عليها بخمس أمثال الإيجار بحيث يتم تعجيز شاغلي تلك المحلات، ومن ثم سيتم تشريد ملايين الأسر بعد خمس سنوات من العمل بالقانون، الابن الذى ورث مهنة أبيه وينفق على أشقائه، أو تللك الأرملة المسنة التى تتولى إدارة محل زوجها المتوفي لكى تنفق على أولادها، أو حتى أصحاب المهن بالأحياء الشعبية والقرى من رقيقي الحال والذين بالكاد ينفقون على أبنائهم كـ " الفرارجى، أو الحلاق، بائع الفول، أو الكهربائى، السمكرى، أو المكوجى، المنجد، أو السباك، بائع الخضار، وغيرهم، لأن هؤلاء جميعا أصبحوا مطالبين بإخلاء مصدر رزقهم بعد خمس سنوات.
 
ومن هنا يبرز السؤال الجوهري: إلى أين يذهب هؤلاء؟، وكيف يعيشون بعد فقدان مصادر رزقهم القليلة ؟.
 
نعم كيف يوفر حلاق يعيش فى قرية صغيرة أو يسكن حارة بأحد الأحياء الشعبية الفقيرة مبلغا يزيد أضعاف ما يحصل عليه من صنعته لاستئجار أو شراء آخر، خاصة أننا إذا نظرنا إلى حالته الحالية فسنجد أنه بالكاد كان يستقبل طوال يومه زبونا أو أكثر، ولا يكفيه دخله للانفاق على أولاده لتوفير مجرد العيش الحاف، وماذا عن المنجد أو النجار الذى يعيش معاناة كبيرة في ظل تطور صناعة الأساس التي جعلته لايستقبل زبونه إلا فى مواسم محددة، وتقل الفرصة مع تقدم العمر والمهنة التي يمتهنها، قل لي بالله عليك ما هو رد فعل هؤلاء عندما يجدون أنفسهم هم وأولادهم فى الشارع، في ظل وضع اقتصادي صعب يستحيل أن توفر الحكومة لهم محلات بديلة؟، وحتى إذا وفرت فى المدن الجديدة؟، تأتي معضلة المواصلات التي تنقله للمحل من مسكنه؟، ثم كيف سيجهز المحل خاصة أن لا يدخر شيئا طوال سنوات عمله؟، حتما ستواجهه مشكلة كبيرة، فكيف سيسدد الإيجار ومصروفات المواصلات، ومهنته تعجز بالأساس من أن تطعمه وأولاده حتى العيش الحاف.
 
فضلا عن ماسبق كنا على وشك الوقوع في براثن كارثة أكبر، ففي حال الموافقة على تعديلات لجنة الإسكان في المحلات التجارية، كان هناك سعيا حثيثا لتطبيق القانون على الشقق السكنية التي ستكون صيدا سهلا - لا قدر الله - بعد تجاهل القانون في شكله الجديد لأحكام المحكمة الدستورية العليا في ظل مشاهد الفساد التي لا تتوقف منذ 5 سنوات، ويبدو أنها لن تتوقف، جراء التقاعس العمدى من بعض أجهزة الرقابة وتنامى سطوة الفهلوية، وقدرتهم على شراء الذمم، بما ينذر بخطر ينتظر صدور القانون، ومن ثم سيقضى على الأخضر واليابس، أتحدث هنا عن العمارات القديمة في منطقة وسط البلد، والتي تضعنا أمام واقعة تمثل حالة فريدة من جرائم السطو على الممتلكات، واقعة تفتح الباب أمام المغامرين لدخول نادى أصحاب المليارات، عبر الاستيلاء بالطرق الملتوية على عقارات الأجانب المهجورة بأوراق "مضروبة"، واستخدام كافة الطرق من جانب "شايلوك" وأعوانه لهدمها وإعادة بنائها بمعاونة مسئولين فى الجهات الحكومية، تعمدوا إخفاء الحقائق، وأطلقوا عليها "مانهاتن الجديدة" في منطقة وسط البلد.
 
ومن هنا لفت النظر من قبل في عدة مقالات وملفات إلى ضرورة الانتباه لخطورة ذلك وناشدت الرئيس السيسي بالتدخل، تأكيدا لتصريحاته بعدم ترك الشعب للجشعين، وذلك بتوجيه ضباط الرقابة فورا ودون تأخير لبحث ملفات مافيا الفساد من المستفيدين جراء تمرير قانون الإيجارات القديم، خاصة بعد أن صرح أحد داعمي حقوق الملاك بأن لديه 100 مليار جنيه جاهزة تحت تصرف الدولة في اليوم التالي لتمرير القانون، مؤكدا أن هذا المبلغ سيكون تحت تصرف الحكومة بالكامل لبناء مساكن بديلة للمستأجرين في الصحراء، ولأن هذا الرقم يبدو ضخما ومريبا - رأيت وقتها - ضرورة تدخل الرقابة الإدراية فورا للبحث في مصدر هذا المبلغ، حيث كانت تشير المعلومات التي توفرت لدي إلى تنامي دور خطير لرجل أعمال ومقاول القطري يعمل لحساب وزارة دفاع بلده لشراء عقارات وسط البلد التاريخية، عبر مكتب شركته التي يديرها النائب المقاول صاحب مبادرات ومشاريع تمرير القانون المثير للجدل بالتعاون مع بعض رجال الكبار ممن يرغبون في تحويل "وسط البلد" إلى "مانهاتن جديدة"، بحسب خيالهم الطامح نحو ابتلاع عقارات مصر التاريخية عن طريق هدم التراث المعماري الفاطمي العريق وتحويله إلى ركام، تمهيدا لتحقيق حلمهم المزعوم على حساب الفقراء والبسطاء من أبناء هذا البلد ليكون مصيرهم الصحراء، أو العراء.
 
حملات مسعورة قام بها من يدعون حماية حقوق الملاك - على مدار 5 سنوات سابقة - من خلال عشرات اللقاءات التليفزيونية على الفضائيات، ومئات الأخبار المفبركة حول فقر الملاك على المواقع الالكترونية، هذا بخلاف ما ينشر من أخبار وتحقيقات وملفات على الصحف الورقية، فضلا عن سعيهم الدؤوب عبر 10 مشروعات قانون تستهدف تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر تقدموا بها لمجلس النواب، وكلها عبارة نسخ كربونية من القانون الشائك في مواده واللاعيبه، في وقت تدعمهم فيه 27 جمعية حقوق إنسان تتدعي الدفاع عن حقوق الملاك، بينما المستأجرين الغلابة ظلوا طويلا لايجدون من يقف بجانبهم من جانب تلك الجمعيات وغيرها أو حتى الحكومة نفسها.
 
وهؤلاء كانوا يعملون ليل نهار ولايكفون عن ابتكار أساليب شيطانية يلبثون فيها الحق بالباطل على جناح الفتاوي الدينية المبتورة والتي لا تجيز التوريث، وقد لاحظت أنهم نشطوا على غير العادة طوال الأسابيع القليلة الماضية في ترسيخ مفهوم فتوى المفتي بتحريم توريث عقود الإيجار عبر العديد من برامج "التوك شوز"، معولين كثيرا على إجابة الشيخ عن السؤال: هل من حق المستأجرأن يرث عن غيره؟، دون التطرق بالسؤال ذاته على نحو مختلف عن جواز تمديد العقود، كما أوجب حكم المحكمة الدستورية العليا رقم (70) بتاريخ 14 نوفمبر لعام 2002.
 
والسند في هذا الحكم يستمد قوته ووجاهته من أن الدستور في مادته الثانية يؤكد على أن الإسلام دين الدولة، وهو بالأساس المصدر الرئيسي للتشريع، ومن ثم  فكيف لهؤلاء أن يتمسكون بالتفسير الديني الذي يخالف في جوهره حكم المحكمة الدستورية العليا؟، وهو بالمناسبة حكم لا يقبل النقض ولا الطعن عليه، فكما هو متعارف عليه أن المحكمة الدستورية المصرية العليا تعد واحدة من أرقى المحاكم الدستورية على مستوى العالم، بل إنها تحتل المرتبة الثالثة في الترتيب الدولي من حيث العراقة ورقي الأحكام ونفاذها، كما أن المادة 191 – 192 من الدستور حصنت مثل تلك الأحكام الدستورية من الطعن والنقض، ناهيك عن أن المادة 78 من الدستور تؤكد على أن الدولة تكفل لكل مواطن السكن الاجتماعي المناسب حفاظا لكرامته.
 
الحمد لله أن القانون لم يتم الموافقة عليه في شكله المشئوم تحت قبة البرلمان، بفضل الشرفاء من النواب والقانونيين الذين وقفوا بالمرصاد لكل تلك المحاولات الخبيثة من جانب "شايلوك" العقارات وأعوانه، الذين كادوا أن ينجحوا في اختلاق مثل تلك القلاقل، وتتم الوقيعة بين شعبين "ملاك ومستأجرين"، ولاشك أن الإسكان في مصر قضية مزمنة، وهى تحتاج بالفعل خططا تتسم بالحكمة، نظرا لأنها معقدة للغاية، بحيث تقف عند حل مزدوج من شأنه أن يعيد التوازن بين الطرفين، وهذا ما نأمله من البرلمان في درو انعقاده الخامس في أكتوبر القادم بإذن الله.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة