صدر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث كتاب مهم بعنوان "الإخوان بعد السقوط: إعادة التشكل واستغلال التحالفات"، والذى يقول: نجحت "ثورة 30 يونيو" فى إزاحة شبح الإخوان عن التحكم فى شعب مصر، واختارت الإرادة الشعبية حظر التنظيم وإبعاد أجهزته، وتولت الدولة محاكمة قياداته المتورطة فى تأجيج العنف والإرهاب. ولكن كيف يبدو وضع الجماعة اليوم؟ وما التداعيات الحقيقية لهذه الإجراءات على التنظيم وهيكليته؟ وما حكاية «لعبة» صراع الأجنحة «الراديكالية» و«الوسطية» المزعومة داخل التنظيم، وكيف تحدد عبرهما خياراتها التنظيمية والسياسية؟ ومن يسوّق لسيناريوهات مواصلة "المواجهة" أو المصالحة المزعومة، متناسياً أبوّة التنظيم للإرهاب؟ وما حقيقة وحجم المراجعات الفكرية التى يقوم بها «جيل من الإخوان»؟ وما وضعية الإسلاميين الآخرين داخل مصر كالجماعة الإسلامية والتيارات المتشددة؟ هل هى أدوات احتياطية، أم معابر، أم تجليات لبعث مختلف؟
ويسعى مركز المسبار إلى الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، فيرصد ويحلِّل أبرز التحولات والصراعات التى مرت بها حركة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية والتيارات المتشددة فى مصر خلال العامين 2017 – 2018.
وشارك فى الكتاب باحثون متخصصون، تعزز دراساتهم شهادات داخلية قدمها إسلاميون سابقون أماطت اللثام عن الوجوه الخفية للإسلاميين، على مستويات عدة، خصوصاً الموقف من الدولة، والمجتمع، والعنف. تتناول إحدى الدراسات الصراع الداخلى والخارجى المزعوم بين أجنحة الإخوان المسلمين، على خلفيات أيديولوجية، أعقبت التراجع التدريجى للجماعة بعد «ثورة 30 يونيو»؛ والإجراءات التى اعتمدها الشعب المصرى لحماية مؤسساته ودولته من "التغول الإخوانى" الذى هدد هوية مصر.
ويمكن تحديد خلفيات هذا التجاذب المفترض، ضمن ثلاث فئات أو أقنعة: "القطبيون" (الراديكاليون) الذين يرفضون أى مراجعة ويفضلون خيار المواجهة والعنف؛ "الكامنون" وهم أولئك الذين يفضلون الانسحاب والكمون والعمل السرى، و"المراجعون"، وهم من الجيل الشبابى الذى يعمل على إجراء مراجعات نقدية تُخرج "الجماعة" عن مسارها التاريخي، بيد أن ميراث الخبرة يشير إلى أنّ هذه الفئات ليست سوى خيارات، يتبدّل الإخوان بينها بإرادتهم، وحسب مقتضيات الواقع، فمرشدهم الحقيقى واحد.
وكشف الكتاب عن دور قيادات الإخوان فى تأسيس التنظيمات الإرهابية، التى تحاول ضرب مصر الآن، بما فيها التنظيمات الداعشية، عبر تتبع الشهادات التى تورِّط المرشد مصطفى مشهور، فى بناء عمل عسكرى، منذ الفنية العسكرية، مروراً بتنظيم بيت المقدس، الذى تحوّل إلى "العقاب" وغيره من كيانات إرهابية انضوى بعضها تحت ما يسمى ولاية سيناء، ولكنه حافظ على هيكله الإخوانى وخدمته لأجندة التنظيم، الذى يتبجح قياديون مثل محمد البلتاجى بسيطرتهم عليها، حينما يقول: «أعيدوا مرسى ينتهِ الإرهاب فى سيناء».
وحاول الكتاب تفسير استحالة إجراء الإخوان لمراجعات جادة، فخلص إلى أنهم نتيجة أيديولوجيتهم الشمولية، وعلى الرغم من النهج البراغماتى الذى ينتهجونه، غير قادرين على "الانقلاب على أنفسهم" والمصالحة مع المجتمع والدولة على أسس جديدة تسير على خطى الأحزاب الدينية المحافظة فى الغرب، فالتجارب مختلفة والتاريخ مختلف، وكذلك المرجعيات والعقليات والتطورات ودرجات الوعى والأطر الضابطة لعلاقة التنظيمات ومسؤوليها بالدولة والمجتمع والاقتصاد والدين. ونلاحظ على هامش الدراسات، أن تراجعات الإخوان التكتيكية، لا يتم تذييلها بالاعتراف بالخطأ، لذا فإن قيمتها الأخلاقية تتصاغر، أمام درجات المصلحة التى تفتحها.
وطرح الكتاب أهم السيناريوهات المستقبلية التى يحاول المتعاطفون مع الإخوان تقديمها أمام الإسلاميين المصريين. يبقى أنه أمام الإخوان خيار وحيد، هو التخلى عن معاداة الإسلام التقليدي، والدخول فى عقد المواطنة المؤمن بالدولة ومؤسساتها، والابتعاد عن محاولات اختطاف المجتمع والدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة