فى عام 1994 أى منذ ما يقرب من 25 سنة كاملة، سيطر حزب العدالة والتنمية الإخوانى التركى على الانتخابات بشتى أشكالها فى المدينة التركية الأكبر والأهم «إسطنبول» والتى منها انطلق المجد السياسى لرجب طيب أردوغان، بسرعة الصاروخ، حتى وصل إلى رأس هرم السلطة الأوحد فى بلاد الأناضول.
إذن إسطنبول، وهى المدينة الأكبر والأهم فى تركيا إذ يبلع عدد سكانها تقريبًا 16 مليون نسمة، منهم 10 ملايين يحق لهم التصويت فى الانتخابات المختلفة، تعد إحدى أبرز معاقل الإخوان، والداعمة الأكبر لرجب طيب أردوغان، ومن ثم فإن خسارة حزب العدالة والتنمية للانتخابات المحلية، مرتين متتاليتين، يمثل زلزالًا سياسيًا مدمرًا تجاوزت قوته 20 درجة بمقياس ريختر.
خسارة حزب العدالة والتنمية للانتخابات البلدية فى إسطنبول، له دلالات عديدة، أبرزها أن المستقبل السياسى لرجب طيب أردوغان صار على المحك، وأن المشروع الإخوانى مستمر انهياره منذ أن انهار فى مصر، ويفقد يومًا بعد يوم أرضًا جديدة، ويؤكد أن أم الدنيا عندما تقول «لا» فقولها الحق، وصوتها المسموع..!!
ويؤكد أيضًا أن الشعب التركى، أصابه الإحباط من سياسة الإخوان، وفشلهم الذريع، وأفكارهم البالية القائمة على افتعال المشاكل والتدخل فى شؤون الغير، ودعم التنظيمات والجماعات الإرهابية، وكراهية الحداثة والمدنية، وأيضًا مؤشر مهم وجوهرى، أثبته أكرم إمام أوغلو، الذى نجح فى الفوز برئيس بلدية إسطنبول، المعقل الرئيسى لرجب طيب أردوغان وإخوانه، من أن الأتراك يريدون أصحاب الأفكار التنويرية..!!
ويعد أكرم إمام أوغلو من النجوم الصاعدة فى سماء السياسة التركية، بسرعة الصاروخ، وينتمى إلى جيل الشباب نسبيًا، ويؤمن بالأفكار العلمانية والمدنية المتطورة، عكس قيادة حزب الشعب الجمهورى الذى ينتمى إليه ويتزعمه كمال كليجدار أوغلو البالغ من العمر 71 عامًا.
وهناك واقعة نشرتها وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الدولية المختلفة، مفادها أن زعيم حزب الشعب الجمهورى، كليجدار أوغلو، كان قد زار حسن إمام أوغلو، والد أكرم، فى منزله الخاص، بمدينة طرابزون فى 13 ديسمبر 2018، ومازحه قائلًا: «جئنا نخطب يد ابنك» عند الإعلان رسميًا عن تسمية أكرم مرشحًا للحزب لخوض انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول.. ورد عليه حسن إمام أوغلو بقوله: «لقد سبق وأن أخذت بنتا من حى «آغجا آبات» بمدينة طرابزون، ونعطيك الآن شابًا أيضًا».
نجاح أكرم إمام أوغلو فى انتخابات الإعادة جاء كاسحًا، فرغم أنه حصل فى الانتخابات الأولى على 130 ألف صوت، إلا أنه حصل فى انتخابات الإعادة التى أجريت خلال الساعات القليلة الماضية على أكثر من 775 ألف صوت، مكتسحًا منافسه العتيد وأحد أبرز أركان نظام رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء والبرلمان السابق بن على يلدريم.
ويتوقع معظم الخبراء والمتابعين للشأن التركى، أن أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول الجديد، سيكون رقمًا صحيحًا وفاعلًا وقويًا، فى معادلة السياسة التركية، وتوقعوا أنه فى حالة نجاحه فى إدارة إسطنبول، يمكن له أن يصل لمقعد الرئاسة بسهولة ويسر فى ظل التراجع المخيف والدراماتيكى لشعبية أردوغان وحزبه الإخوانى.
وتأكيدًا على أهمية منصب رئاسة بلدية إسطنبول، أن مسيرة أردوغان السياسية انطلقت من هذه المدينة عام 1994، عندما انتُخب رئيسًا للبلدية عن حزب الرفاه الإسلامى، بزعامة نجم الدين أربكان، الذى تم حله لاحقًا ودخل أردوغان السجن لعدة أشهر، ومُنع من تولى منصب حكومى بعد إلقائه قصيدة متطرفة فى مهرجان خطابى.
وتأسيسًا على ذلك، بنى المحللون والخبراء فى الشأن التركى، رؤيتهم، وتوقعاتهم للنجم الشاب أكرم إمام أوغلو، فى انتزاع مقعد رئاسة تركيا فى الانتخابات المقبلة، ليودع رجب طيب أردوغان، الحياة السياسية غير مأسوف عليه..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة