سيسجل التاريخ فى تركيا قبل مصر وسوريا وليبيا والعراق والسعودية والإمارات، ومعظم الوطن العربى، وإقليميا وعالميا، أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، أسوأ حاكم، لوطن بالتبنى، ارتكب كل الموبقات السياسية والقيم الإنسانية والوطنية، وسخر الإسلام لخدمة أغراضه ومصالحه الشخصية، ومشروعه فى إحياء الخلافة، وإعادة ممتلكات أجداده العثمانيين باحتلال الدول العربية واعتبارها ولايات تابعة لأنقرة..!!
ويعلم يقينا أنه لن يستطيع تحقيق هذه الأهداف إلا من قلب القاهرة، ومادامت مصر بثقلها الحضارى وقوتها البشرية والعسكرية، بعيدة عن أحضان الدولة التركية، فلن يكتب لمشروع إحياء الخلافة الإسلامية، أى نجاح يذكر، ولذلك كانت فرصته الوحيدة والتى جاءته على طبق من الماس، وصول جماعة الإخوان الإرهابية للحكم، فى عام أسود، وبما أن الجماعة جزء جوهرى من مشروع الخلافة، وتدين بالولاء لـ«السلطان» فإن المهمة أصبحت سهلة، وفى المتناول، حينذاك.
وبالفعل استعد أردوغان مبكرا لتحقيق هذا الحلم الكبير، ببناء قصر ضخم، وإعادة تقاليد الحرس العثمانى، طقسا وزيا، إلا أنه أفاق على كابوس كارثى فى 30 يونيو 2013 عندما خرج المصريون عن بكرة أبيهم، وطردوا الإخوان وأعوانهم والمتعاطفين معهم من قصور السلطة، والمشهد العام، بل أسقطوا العام الذى حكموا فيه البلاد، من ذاكرتهم، وأطلقوا عليه «العام الأسود»..!!
بانهيار مشروع الإخوان الكارثى فى مصر، انهار بالتبعية فى تونس وسوريا، وليبيا، والأردن، والسودان، وفى معظم الدول، ما أصاب رجب طيب أردوغان بالجنون، لذلك حمل للمصريين ونظام 30 يونيو بالكامل، من العداء والكراهية، ما تنوء عن حمله الجبال، فسخر نفسه ونظامه وأتباعه الإخوان، للانتقام من مصر، وكأنه يقسم بالله أنه لن يصفو ولن يترك فرصة لإثارة الفوضى أو هدم أرض الكنانة إلا ويستغلها أحسن استغلال..!!
لذلك هجومه الأخير مستغلا وفاة الإخوانى محمد مرسى العياط، كان متوقعا، فكيف لا يهاجم مصر، ويوظف الوفاة الطبيعية لمن كان قاطرة إحياء مشروع أجداده، واستعادة ملك وممتلكات الدولة العثمانية، أو كما يطلق عليها فى آخر زمانها «الرجل المريض»..؟!
المثير للدهشة أنه فى الوقت الذى يأمر أردوغان الناس بالبر، ينسى نفسه، فيقدم كل الدعم لجماعة الإخوان الإرهابية، وذيولها، وينكل بكل معارضيه، أيما تنكيل، سواء بالسجن أو القتل أو الطرد من وظائفهم، ولم يترك فئة واحدة من فئات المجتمع التركى إلا ونكل به..!!
العالم المصرى العبقرى، الدكتور جمال حمدان، فى كتابه «شخصيات مصر وتعدد الأبعاد والجوانب» استطاع توصيف الدولة التركية خير وصف، عندما قال: «بين تركيا ومصر مشابهات على السطح قد تغرى بالمقارنة، فتركيا بين آسيا وأوروبا، مثلما مصر جسر بين آسيا وأفريقيا، بل إن الجسم الأكبر فى كل منهما يقع فى قارة، بينما لا يقع فى القارة الأخرى إلا قطاع صغير «سيناء وتراقيا» على الترتيب، وفى كلا الحالين إنما يفصل بينهما ممر مائى عالمى خطير، أضف إلى ذلك التناظر القريب فى حجم السكان».
ويضيف الدكتور جمال حمدان: «لقد تمددت تركيا فى أوروبا حتى فيينا، كما وصلت مصر إلى البحيرات فى أفريقيا، واندفعت كل منهما فى آسيا من الناحية الأخرى».
ويفجر الدكتور جمال حمدان، قنبلة، عندما يؤكد أنه ورغم كل هذا التشابه بين البلدين، فإنه تشابه مضلل، لأنه سطحى، وسطحى لأنه جزئى، فربما ليس أكثر من تركيا نقيضا تاريخيا وحضاريا لمصر من الاستبس كقوة «شيطانية» مترحلة، واتخذت لنفسها من الأناضول وطنا بالتبنى، وبلا حضارة هى، بل كانت «طفيلية» حضارية خلاسية استعارت حتى كتابتها من العرب.
ويسترسل جمال حمدان فى وصف تركيا، الدولة المشوهة ومنزوعة الجذور الحضارية والتاريخية، عندما قال: «ولكن أهم من ذلك أنها تمثل قمة الضياع الحضارى والجغرافى، غيرت من جلدها وكيانها أكثر من مرة، الشكل العربى استعارته ثم بدلته بالشكل اللاتينى، والمظهر الحضارى الآسيوى نبذته وادعت الوجهة الأوروبية، إنها بين الدول بلا تحامل، الدولة التى تذكر بـ«الغراب» يقلد مشية الطاووس، وهى فى كل أولئك النقيض المباشر لمصر ذات التاريخ العريق والأصالة الذاتية والحضارة الانبثاقية»... إلخ.
وستبقى مصر «قاهرة» لأردوغان وتميم وكل أعدائها.. وشوكة غليظة وعفية فى حلقهما، إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة