لا ريب أن الممثل واحد من العناصر المهمة بل يعد الأساس فى تشكيل الصورة الذهنية للعمل الدرامى، ومن غيره لا يمكن للعملية الإخراجية أن تكتمل أو حتى يتضح المضمون الذى يتناوله السيناريو والحوار من هدف ورسالة على جناح أداء عذب يذهب بنا إلى مناطق نوارنية داخل العمل، إذ إن فن الممثل يقوم على مبدأ المحاكاة، أو تمثيل الآخرين والتعبير عنهم بواقعية، وذلك من خلال معايشتهم اجتماعيا ونفسيا وجسميا وصوتيا أيضا، فضلا عن معايشة الممثل للشخصية الدرامية المراد تأديتها، ولأن الدراما أصبحت جزءا أساسيا من اليوميات الرمضانية التى يعيشها الوطن العربى، تخلق معها علاقة قبول ورفض ونقد، وكذلك نجد الممثلين النجوم الذين يظهرون فى أدوارهم المتنوعة يصبحون أيضا جزءا من حكايات الناس بالتعبير عنهم وعن قوتهم أو ضعفهم فى ما يقدمونه من شخصيات.
ومن هؤلاء الممثلين الذين أحدثوا نوعا من الجدل حول أدائهما النجمتان "ياسمين عبد العزيز"، و"ياسمين صبرى"، فلقد شاهدت الأولى فى مسلسل "لآخر نفس" والذى جسدت من خلاله دور فتاة جميلة وثرية وتعمل مهندسة ديكور، تتزوج من ضابط بالعمليات الخاصة، وتفقد الاتصال مع زوجها خلال قيامه بإحدى المهام الأمنية، فتبدأ رحلة البحث عنه، وأثناء تلك الرحلة تكتشف الكثير من الخبايا والأسرار التى تحمل ألغازا جمة، حول ما يواجهه من أخطار، ومن جانبها تحاول الصعود والصمود أمام ضغوط الحياة، ما يشكل منها فتاة قوية كالرجال، رغم أنها أنجبت ولدا وبنتا منه، والجميل فى المسلسل أن الأحداث فى تصاعدها الدرامى مرورا بالصعوبات وعمليات اختطاف ولديها، وفك شفرات الألغاز التى تضمنتها رواية "صورة دوريان جراى" للكاتب الإنجليزى الشهير "أوسكار وايلد" كانت تدور فى إطار درامى اجتماعى مشوق.
ياسمين عبد العزيز استطاعت بقدرتها الاحترافية فى الأداء أن تكسر القيود وتفاجئ الجمهور بعمل مختلف تماما عما شاهدناه لها من قبل، حيث اعتاد الجمهور عليها فى أدوار الكوميديا سواء فى السينما أو الدراما التليفزيونية، مثل مسلسل "هربانة منها" عام 2017، لكنها فى هذا الموسم قررت أن تغير جلدها، بعد أن تمردت على الفتاة دلوعة إعلانات التسعينيات، والتى انطبعت كاريزمتها ومواهبها على أدائها، فمزجت بين الاستعراض والأداء التمثيلى، وبين الطفولة والأنوثة وخفة الظل، لتتربع على عرش نجمات الكوميديا الأوفر حظا فى السنوات الأخيرة، ولتقف جنبًا إلى جنب أيضا أمام النجوم الرجال فى شباك التذاكر، بل وتنافسهم بقوة وتتفوق عليهم فى كثير من أعمالها، رغم أنها انخرطت فى مجال لم تقتحمه من النساء إلا القليلات قبلها، بل إن أغلب من عملن بالكوميديا من النساء قبلها لم تسند إليهن بطولات مطلقة فى عمل سينمائى كوميدى، كما أسند إليها فى كثير من الأفلام السينمائية الطويلة.
فى دراما 2019 اختارت "ياسمين" أن تتخلى عن الكوميديا وتخلع عباءتها التى نصبتها نجمة شباك سينمائية، وتفردت بذلك من بين نجمات جيلها، وبعد تجربتها الدرامية فى مسلسل "هربانة منها"، لتفاجئنا بمسلسلها الجديد "لآخر نفس"، حيث لجأت فيه للغموض والأكشن فى قالب اجتماعى لا يخلو من الإثارة والتشويق، وقدمت تجربة جديدة، لاقت قبولا جماهيريا كبيرا مع عرض أولى حلقات المسلسل الذى تصدر قوائم البحث على جوجل، وربما ساهم فى ذلك أنها استطاعت من خلال شخصية "سلمى" أن توظف كل إمكانيات الممثلة بداخلها وبتلقائية ومعايشة فى كل مشهد تقدمه، فهى فى "لآخر نفس" وكأنها تعايش الواقع ولا تمثله، كما يرى "ستانسلافسكى" رائد فن التمثيل، وصاحب أهم مدرسة فى إعداد الممثل وحرفيته.
ومن خلال شخصية "سلمى" بما تحمله من تناقضات وتحولات، تثبت "ياسمين" أنها ممثلة موهوبة ومعجونة تمثيل بأداء سهل ممتنع دون انفعال زائد أو باهت، بل يمكننى القول إنها قدمت أداء احترافيا بكل المقاييس، وفى أكثر من مشهد ظهرت قدراتها التمثيلية فى التلوين والقدرة على إقناع المشاهدين، وهو ما يعكس لنا أنها ذاكرت شخصيتها جيدا، ودرست أدق تفاصيل ما تقدمه فى "سلمى"، وامتلكت كثيرا من الذكاء فى تعاملها مع الشخصية، فهى لم تهتم بمنظر الشخصية ومشيتها وطريقة كلامها فقط، لكنها اهتمت بكيفية تفكيرها فى المواقف التى تتعرض لها وشعورها وانفعالاتها وما تحبه وما تكرهه وما تعجب به وما تستحقره، بالإضافة لماضى الشخصية وسنها وثقافتها ومركزها الاجتماعى، فنجحت وأثبتت أنها ممثلة من طراز خاص تجيد تمثيل كل القوالب التمثيلية.
وللإنصاف فقد ساهم فى إنجاح مسلسل "لآخر نفس" أولا: القصة بغموضها وأسراها وألغازها كما كتبها كل من "أمين جمال وعبد الله حسن وطارق الكاشف"، وثانيا: جهد حثيث للمخرج "حسام على"، وثالثا: عذوبة الأداء لكل من "فتحى عبد الوهاب" فى تجسيده لدور ضابط العمليات الغامض، و"أحمد العوضى" فى دور يضاف إلى سجل إبداعه المتميز فى دراما رمضان لهذا العام، ومحمد عز فى دور الإرهابى الذى يحمل ضميرا حيا بداخله، على العكس تماما من دوره لتاجر المخدرات فى "لمس أكتاف"، ما يؤكد نضوجه الفنى فى هذا الموسم بالتنويع على مقامات الأداء الجيد، وكذلك إيهاب فهمى الذى يثبت يوميا أنه ورقة رابحة فى التواجد على ساحة الأداء للأدوار المركبة بحنكة وحرفية عالية، ومن هنا ينبغى الانتباه له من جانب صناع الدراما على مستوى الإنتاج والإخراج، فهذا ممثل ينتمى لمدرسة الأداء الفطرى الذى يصعب تواجده فى هذا الجيل من الممثلين.
أما الثانية ياسمن صبرى فقد جذبت انتباه المشاهدين فى مسلسلها "حكايتى" والذى أحبه الجمهور باعتباره المسلسل الرومانسى الوحيد فى كعكة رمضان هذا العام، وستظل "داليدا " بطلة مسلسل "حكايتى" الذى شاهدته وتابعته ومعى ملايين المشاهدين هى أجمل وأرق وأقرب وأحب الممثلات إلى الجمهور المتعطش للنجمات الجميلات اللاتى كُن يزين الشاشة إلى وقت قريب.
وتبدو لى ياسمين صبرى شخصية تتمتع باتزان وواقعية، وصوتها الهادئ لا يعكس ما يوحيه مظهرها، وهو أنها امرأة قوية ذات حضور صاخب وطاغٍ بجمالها وأنوثتها والشغب المتلألئ فى عينيها، ولقد اجتهدت فى التنويع بأسلوب أدائها فى الحلقات، خاصة عندما بدأت توطد صلتها بـ"على" الذى لعب دوره بطريقة رومانسية ناعمة "أحمد صلاح حسنى" بعد أن اطمأنت إلى مشاعره ونواياه وصدق محبته لها، وبعد أن ساعدها فى ذيوع شهرتها كمصممة أزياء وصلت للعالمية بفضل موهبتها، وكذلك إخلاص صديقتها الأولى والأخيرة "هنادى مهنا" التى لعبت الشخصية بطريقة فطرية تنم عن موهبة مبكرة أتوقع لها النمو أكثر فى أعمال قادمة، كما أن وجود نجمة مجتمع سكندرى مثل "فريدة عسل" كما جسدتها "وفاء عامر"، حيث لعبت دورا من أصعب وأصدق وأليق أدوار الشر التى لعبتها سابقا ما ساهم فى تفجير طاقة "ياسمين" التمثيلية فى المشاهد المتبادلة بينهما على نحو أفضل
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة