للصعيد روح مختلفة، تأخذ العقل والقلب معاً، حين ترى ابتسامة طفل برىء تمنحك الأمل، وهنا على شاطىء النيل صبايا الجنة، بجلبابهم الذى يخبرك عن روح مصر الحقيقية التى تختبأ خلف الوادى الممتد من جنوب أسوان وحتى أعالى الدلتا، وبطول النيل تعكس لك كل المواوويل والاغانى حكايات الأسمرانى ، وتفاصيل حياته اليوميه، لتعرف منها ماذا يأكل وماذا يلبس، وكيف يغنى وكيف يودع أحبابه، الحياة فى الصعيد تختلف تفاصيلها من نجع لنجع، ومن قرية لأخرى ومن محافظة لغيرها، لكن تبقى الروح واحدة وتبقى الحياة أبسط، اليوم السابع يرصد فى جنوب الصعيد كيف يكون الملبس فضفاض ومريح ويساعد صاحبه أن يحيا حياته ببساطة، ومع تنوع درجات الحرارة التى يتسم بها جنوب الوادى يختار الصعايدة ملابسهم لكن فى كل بلدة مسمى قد يختلف عن الأخرى .
"التقشيطة أو العراقى أو القميص" هو أحد أنواع الأزياء الصعيدية، التى يتمسك بها أبناء الجنوب، لكن لها أسماء متنوعة تختلف من محافظة لأخرى، حيث يرتديه الكبار والصغار، ولا غنى عنه فى فصل الصيف فهو كما يصفونه "تكييف الغلابة"، نظراً لمساعدته فى تقليل حرارة الطقس الذى ترتفع درجاته صيفاً فى الجنوب بمحافظات صعيد مصر.
ويحتفظ المجتمع الصعيدى بعدد من العادات والتقاليد المختلفة التى توارثوها عن أجدادهم وتناقلت عبر الأجيال ولا يزالون يداومون عليها، ومن هذه العادات الخاصة بالملابس هى ما يعرف باسم "التقشيطة" وهى أشبه بـ"الجلابية" إلا أنها تعتمد على نوع خفيف من القماش ويمكن ارتدائها داخل المنزل أو فى أعمال الزراعة أو خارج المنزل أيضاً دون المناسبات المهمة، لأنها تساعد بشكل كبير على تخفيف حرارة الجو خلال فصل الصيف وتمتص العرق الخارج من الجسم.
فيصل سيد سعد، ترزى بمحافظة أسوان، يجيد تفصيل التقشيطة ويحكى عن أسرار صناعتها لـ"اليوم السابع"، قائلاً: توارثت هذه المهنة عن والدى وأجدادى الذين كانوا يعملون فى هذه المهنة منذ زمن، لافتاً إلى أن التقشيطة تفصل من القماش وهى أنواع أحدهم اسمه "رمش عين" أو "الهندى" أو "الأندونيسى" وهناك أيضاً "الصينى" الذى ظهر مؤخراً، وكان قديماً هناك أنواع أخرى مثل "الخام" و"الدبلان" و"البرشوط"، مضيفاً أن التقشيطة يقبل على شرائها جميع الأهالى تقريباً وخاصة فى القرى والنجوع، من بينهم الكبار والصغار نظراً لأن نوعية القماش تتناسب مع الحر خلال فصل الصيف، والأهالى فى الصعيد يعتبرونها بمثابة "تكييف الغلابة".
وتابع فيصل الترزى، حديثه قائلاً: إن التقشيطة تشبه الجلابية فى مكوناتها إلا أنها من الأقمشة الخفيفة، وهى عبارة عن قطعة واحدة وتختلف عن الجلابية فى كون فتحة الصدر أوسع من الجلابية التى تكون مناسبة للرقبة، موضحاً بأن التقشيطة يمكن تفصيل "جيب ساعة" صغير علوى، و"جيب كبير" فى أحد الجانبين الأيمن أو الأيسر أو كلاهما، وتتميز أيضاً عن الجلابية فى وسعها عن الجسم فهى ليست ملاصقة له لتساعد على دخول الهواء.
وأوضح بأن أسعار التقشيطة فى المتناول بالنسبة للجميع لأنها كما يطلق عليها "ملابس الغلابة" وكذلك يتم مراعاة الفقير الذى معه القليل أو ليس معه مال ويتم تفصيل تقشيطة له ولأبنائه الصغار بالمجان، مشيراً إلى أن الأسعار تبدأ من 15 جنيهاً وتصل إلى 100 جنيه كمتوسط أسعار، لافتاً إلى أن التقشيطة مشهورة بلون واحد وهو "الأبيض"، وهناك نوع واحد فقط مخالف اسمه "صافى" ذات اللون الأزرق ويستخدم فى أعمال الزراعة.
وأضاف رجب زكى عبد الراضى، من الأهالى، أن أكثر استخدام التقشيطة يكون من خلال ارتدائها أثناء التوجه إلى المزارع والمشاركة فى أعمال الزراعة لأنها تساعد أيضاً على امتصاص العرق بشكل كبير وتخفيف حدة الحرارة صيفاً، ويمكن أيضاً ارتدائها داخل المنازل والنوم بها خلال فترة القيلولة أو بالليل أيضاً، ويمكن أيضاً التحرك بها خارج المنزل فى المسافات القريبة، باستثناء حضور المناسبات المهمة التى تحتاج إلى جلابية صعيدى، نظراً لأن التقشيطة من الملابس الشفافة نوعاً ما، ولكن يمكن ارتدائها كما يفعل الكثيرون تحت جلابية المناسبات.
وأشار سيد أبو الوفا، مزارع، إلى أن أبناء الصعيد خرجوا إلى الدنيا ووجدوا آبائهم وأجدادهم يرتدون "التقشيطة" لذلك هو منتشر كثيراً فى مجتمع ومحافظات الصعيد، نظراً لأن حرارة الطقس صيفاً فى الجنوب تستدعى مثل هذه الملابس الفضفاضة التى لا تضايق المواطنين عند لبسها، مضيفاً أن الأنواع التى ظهرت مؤخراً ليست بالجيدة والتقشيطة القديمة أفضل بكثير لأنها كانت من صناعة مصرية خالصة.
وعلق "أبو الوفا" قائلاً: لدينا أصدقاء من محافظة القاهرة ومحافظات الوجه البحرى الذين طلبوا منا التقشيطة أو القميص الصعيدى، بعد أن شاهدوا أبناء الصعيد يحرصوا على ارتدائه عند ترددهم على الوجه البحرى أو العمل بهذه المحافظات، وبالفعل عندما ارتادوه حبوه كثيراً وارتاحوا أكثر، عن الملابس الصيفية التى معتادين عليها مثل "البيجامة" وغيرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة