كيف لحادث جلل، يحفر بأنيابه على جدران ذاكرة الشعوب، من هوله، وما يخلفه من نتائج كارثية على أمن واستقرار الوطن، مثل غرق فرعون موسى وكل جيشه الجرار، فى مياه البحر، ولا تسجل عنه الآثار والتاريخ شيئا؟!
الحادث، سجله القرآن بشكل واضح، ففى سورة يونس، يقول المولى عز وجل: «وَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِى آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ».. صدق الله العظيم.
القرآن، يذكر كيفية غرق فرعون موسى وجنوده، تفصيليا، بدءًا من قرار بنى إسرائيل الخروج من مصر، وهم فيما قيل عددهم ستمائة ألف مقاتل، مما أثار سخط وغضب فرعون، فجمع جنوده، وانطلق وراءهم على رأس حيش جرار، ولحقوا بهم عند شروق الشمس «فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون»، أى كيف المخلص مما نحن فيه؟ فقال: «كلا إن معى ربى سيهدين»، فأمره اللّه تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم، وجاوزت بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى، وهو فى مائة ألف، وما أن عبر كل أتباع موسى، البحر، أمر اللّه البحر أن يرتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت، فقال وهو كذلك: «آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين».
وقوله تعالى: «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، قال ابن عباس وغيره: إنَّ بعض بنى إسرائيل شكّوا فى موت فرعون، فأمر اللّه البحر أن يلقيه بجسده سوياً بلا روح، ليتحققوا من موته وهلاكه؛ ولهذا قال تعالى: «فاليوم ننجيك» أى لتكون لبنى إسرائيل دليلاً على موتك وهلاكك.
وأن هذا الحادث الجلل كان يوم عاشوراء، تأسيسا على ما رواه ابن عباس، عندما قال، قدم النبى صلى اللّه عليه وسلم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء فقال: «ما هذا اليوم الذى تصومونه؟»، فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبى، صلى اللّه عليه وسلم لأصحابه: «وأنتم أحق بموسى منهم فصوموه«.
وهنا، يحاول علماء الأثار والتاريخ، التأكيد على نقطتين جوهريتين، الأولى، أنه يُفهم من القرآن أن فرعون موسى ليس مصريا، كون هذا الاسم لم يذكر منسوباً لمصر أو للمصريين فلم ترد آية واحدة فى القرآن تقول إنه فرعون مصر، على غرار عزيز مصر أو ملك مصر، والأنبياء «إبراهيم ويعقوب ويوسف» رغم مجيئهم إلى مصر ومعاصرتهم لحكام فى عصورهم، إلا أنه لم يطلق على أى من هؤلاء الحكام لقب فرعون، فالحاكم الذى عاصر سيدنا إبراهيم أطلق عليه ملك، والحاكم الذى عاصر سيدنا يوسف أطلق عليه ملك فى خمس مواضع، بينما الحاكم الذى عاصر سيدنا موسى أطلق عليه فرعون فى 74 موضعاً فى القرآن، بدون أداة التعريف.
النقطة الثانية، أنه وطالما أن فرعون، وجيشه، ليسوا مصريين، فالمصريون، لا يهمهم تسجيل الحادث، وأن اليهود، يتبنون فكرة أن «فرعون» هو حاكم مصرى!
وفى كل الأحوال، يبقى السؤال اللغز، ويبحث عن إجابة تاريخية واضحة، لماذا لم تسجل الشواهد الأثرية، أو تدون الوثائق التاريخية، سواء فى مصر، أو أى دولة أخرى، شيئا عن الحادث المهول، غرق فرعون موسى وجيشه الذى كان يعد حينها أكبر وأضخم وأقوى جيش على وجه الأرض؟!
وللحديث بقية إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة