القرآن الكريم، أصدق الكتب المقدسة، ذكر ما تعرض له الرسل والأنبياء من اضطهاد، ورفض ومقاومة شديدة لرسالاتهم، ما أجبر معظمهم إلى الهجرة، واتخاذ مناطق جديدة، لانطلاق دعواتهم الإصلاحية، وما نجم عنها من زخم اجتماعى وسياسى وأخلاقى وأدبى لا حصر له، ولذلك فإن ثوراتهم الإصلاحية الشاملة، لا يمكن نكرانها..!!
ورغم هذا الزخم كما أوضحنا سلفا، فإنه على النقيض لم تذكر الشواهد الأثرية، والوثائق التاريخية للحضارات القديمة، شيئا عن أى نبى، لدرجة أن عددا من علماء الآثار فى العراق، أصيبوا بحيرة من أمرهم، وتساءلوا لماذا لم نجد أى شاهد أثرى عن تاريخ الأنبياء رغم القول بوجود 124 ألف نبى؟!
السؤال، من حيث الشكل والمضمون، وجيه، مع التأكيد على أن علم الآثار الـ« Archaeology» هو المصدر الوحيد للمعلومات عن العصور الماضية، فالقول بعدم وجود معلومات أثرية عن تاريخ الأنبياء لا يعنى الجزم بعدم وجودهم، نظرا لإمكانية معرفة تاريخهم من المصادر الأخرى.
وحاول علماء الآثار، الجنوح إلى أن معظم المعلومات الواردة عن تاريخ الأمم، مسجلة على جدران المعابد والمقابر، والقصور فى دول أخرى، كونها مبنية من الحجر، واستطاعت الصمود أمام عوامل التعرية، وغدر الطبيعة، وكانت منصات تتحدث بلسان الملوك والحكام، وتمجد بطولاتهم وإنجازاتهم، ولا تتطرق لأى معارضة، من أى نوع، وبما أن الأنبياء والرسل، قادة ثورات التصحيح، دينيا وأخلاقيا واجتماعيا وسياسيا وأدبيا، فبالطبع لا يمكن أن تذكرهم الشواهد الآثرية والوثائق التاريخية..!!
وعلى النقيض، فإن منازل وأماكن عبادة عامة الشعب التى كان يمكن من خلالها التعرف على وجهة نظرهم فى الحكم وأنظمة الحكم، وتاريخ الأنبياء والرسل، كانت مبينة من مواد، لا تصمد أمام غدر الطبيعة، فانقرضت، انقراض الديناصورات، وأصبح التاريخ أسير لوجهة نظر واحدة، منحازة للملوك والحكام، ومتحدثة عن الإنجازات والبطولات وقهر الأعداء الأجانب!!
ومن بين الأسباب أيضا التى ساقها علماء الأديان، وبعض علماء الآثار، عن سر عدم وجود شاهد أثرى واحد يتحدث عن نبى من آلاف الأنبياء، أن التدوين فى أغلب العصور السابقة لم يكن بالأمر الهين وكان يتطلب إمكانيات كبيرة لم تكن متوفرة للجميع، فالكتابة باستخدام الألواح الطينية، وورق البردى وعلى جدران المعابد والمقابر ومختلف الشواهد الآثرية، لم يكن أمراً متوفراً للجميع، ولا تتوافر إلا للملوك والحكام والأمراء فقط، بالإضافة إلى أن الأنبياء أصحاب رسالة إصلاحية، فلم يكن من بين اهتماماتهم، التدوين وترك الآثار المادية التى تسرد تاريخهم، وذلك لأسباب، كثيرة أهمها تعليم الناس الزهد وتجنيب الناس التعلق بالآثار دون التعلق بالفكرة!!
كما عزا علماء الأديان الأسباب أيضا، إلى أن الأنبياء صاروا أنبياء عند مريديهم ومن اقتنع برسالتهم، وليس كذلك عند معارضيهم الذين يظهرونهم فى صورة المعارضين والخارجين عن نواميس الأمة، دينيا وسياسيا، فاتهموهم بأنهم سحرة، تارة، وكهنة، تارة ثانية، والباحثون عن السلطة عن طريق التمرد، تارة ثالثة، وغيرها من الصفات الرديئة التى نعتوا بها الأنبياء!!
فعلى سبيل المثال، صوروا سيدنا موسى عليه السلام، بالقائد العسكرى الذى يقود حملة على الحبشة لصالح فرعون ثم يقود مجموعة متمردين، للتبشير بديانة التوحيد الذى دعا إليها إخناتون، فى أكبر حركة تمرد ضد أبوالآلهة، أمون رع.. كما وصفوا سيدنا سليمان عليه السلام إلى «شلمانصر» الحاكم الذى نصبه «الآشوريين» ليحكم بلاد الكنعانيين.. كما حاولوا وصف رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، بالساحر والتاجر صاحب العقلية الفذة ويقود العرب ساكنى الصحراء إلى مجابهة الإمبراطورية الفارسية والرومانية ويحولهم إلى صناع حضارة، وهكذا يتحول النبى فى نظر من لا يؤمن به إلى شخص آخر تصنعه الأغراض والأهداف والقراءات الانتقائية أو الناقصة..!!
وللحديث بقية إن شاء الله.. إن كان فى العمر بقية!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة