"ما أعجب طرقك يارب" قد تبدو العبارة المستعارة من المجتمع الكنسى مدخلا لفهم الرواية التى تحمل العنوان نفسه "طرق الرب" وهى صادرة عن دار الكتب خان العام الماضى وهى العمل الأول لمؤلفها شادى لويس الكاتب والمعالج النفسى.
الرواية التى تقع فى 190 صفحة من القطع المتوسط تتعرض لقضايا شديدة الحساسية فى المجتمعات الكنسية قد تجعلها عملا ينضم لقائمة روايات وأفلام تغضب الكنيسة.
جلسات البطل مع القس انطونيوس.. أسرار المجتمعات الكنسية
كتبت الرواية بضمير المتكلم، إذ تبدأ بمجموعة من اللقاءات بين البطل "شريف" وهو مهندس مسيحى غير متدين والقس انطونيوس كاهن الكنيسة التابع لها، حيث يذهب شريف إلى تلك اللقاءات مدفوعا برغبته فى الحصول على شهادة خلو موانع وهى شهادة لازمة لإتمام الزواج المسيحى حتى وإن كان من يطلبها لا يرغب فى الزواج الكنسي إذ يقول البطل عنها "وقعنا فى أسر الكنيسة"، تلك الشهادة تجعل من الكاهن موثق شهر عقارى إذ يمنح القانون المصري الكنيسة تلك السلطة، ولأن البطل لا يواظب على حضور قداسات ولا يذهب لكنيسته باستمرار فإن الكنيسة أرغمته على حضور تلك اللقاءات مع القس انطونيوس بغية التأكد من إيمانه وطباعه قبل أن تمنحه شهادة خلو الموانع تلك.
وعبر الحوارات التى يجريها شريف مع القس انطونيوس تتكشف ملامح كثيرة من حياته بل ويروى أيضا سيرته العائلية، حيث ولد لعائلة أرثوذكسية بينما قرر جده بناء كنيسة كاثوليكية فى قريته ومن ثم انتقلت العائلة من تلك الطائفة إلى الثانية، فوالدته كاثوليكية بينما أبيه كان لديه موقف من رجال الدين بشكل عام، ولكنهم عمدوه فى الكنيسة الأرثوذكسية فصار أرثوذكسيا بينما مر خلال مراهقته وطفولته فى منطقة الظاهر المعروفة بكثرة الكنائس فيها على اجتماعات وقداسات كل الطوائف المسيحية حتى عرف بين القساوسة بقدرته على الجدل وإثارة الشغب، وفى تلك النقطة بالتحديد يعرج الكاتب على قضية المعمودية التى أثارت جدلا واسعا أيام زيارة بابا الفاتيكان لمصر حين وقع اتفاقية مع البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية تقضى بقبول معمودية الكاثوليك وعدم إعادتها مرة أخرى.
سيرة حياة لعائلة كاثوليكية أمام مذبح أرثوذكسى
من خلال الرواية يتورط الكاتب فى أن يروى للقس الأرثوذكسى سيرته العائلية، ثم يتبين للقس أن أم شريف التى تواظب على التناول من الأسرار المقدسة والخدمة فى الكنيسة ليست أرثوذكسية بل كاثوليكية فيمنعها من حضور القداسات وكذلك من الخدمة محاولا إقناعها بإعادة تعميدها مرة أخرى وهى تجاوزت الستين من العمر، فيتم تغطيسها فى جرن المعمودية المخصص للكبار، وأمام ذلك ترفض السيدة ويتم الاتفاق على أن تخدم فى الكنيسة دون أن تتناول فهى أمام الأرثوذكس ليست مسيحية ولابد من إعادة تعميدها مرة أخرى إذ أن طقس التعميد أو التنصير هو اللازم لدخول الديانة المسيحية.
تجمع البطل علاقة عاطفية بفتاة ألمانية تسمى إستر فيحاول الحصول على شهادة خلو الموانع مدفوعا برغبته فى الارتباط بها والسفر من مصر بعد أن تعرض لمشكلة أمنية ولكن العقبات البيروقراطية التى تضعها الكنيسة أمامه تعيقه عن اتمام الزواج قبل أن يتم اتهامه فى قضية اختلاس مال عام بعدما ترك توقيعه على إذن صرف لمبات فى الوزارة التى يعمل بها وتم استغلالها ضده وبالفعل حوكم على تلك القضية.
بعد خروجه من السجن وفصله من عمله جراء تلك التهمة، تتبدل حياة شريف ويتجه كليا للكنيسة فيتزوج إحدى الفتيات اليتيمات ويبدأ بالخدمة فيها ومراجعة بعض الحسابات مقابل راتب زهيد يدفعه له القس انطونيوس الذى شعر أن تأخيره فى إصدار شهادة خلو الموانع دفع بشريف إلى السجن، ويظل مكفرا عن تلك الفعلة حتى يوم وفاته الذى يصادف ليلة أحداث ماسبيرو.
لغة بسيطة تخلو من المجازات وتراهن على الحكاية
الرواية التى كتبت بضمير المتكلم وباستخدام لغة سردية بسيطة تخلو من المجازات إذ كان رهان الكاتب الأول على الحكاية لا اللغة، يتغير فيها الراوي فى الفصل الأخير ويتدخل راوى عليم دون أى مبرر فنى بعدما كان البطل هو الراوى فى الفصول الأولى كلها إلا أن هذا العمل يعد شهادة عصر عن حياة مواطن قبطى فى مصر فى نهايات عصر مبارك وحتى أيام ما بعد الثورة، تعزف الرواية على أوتار متعددة فهى تسرد تفاصيل واقعية عن المجتمع المسيحى والعلاقة المتوترة بين الطوائف وتسجل بدقة علاقة القبطي بالدولة بعد أن صار ضلعا فى مثلث الدولة والكنيسة معا.
لم يلجأ لويس كغيره من الكتاب الأقباط إلى استخدام حكايات مثيرة عن المجتمع المسيحى بغرض الفرقعة بل لجأ لسرد أحداث واقعية بلغة روائية وبنية محكمة دون ترهل أو ثرثرة مستخدما عنوان موحى هو "طرق الرب" للدلالة على أن كل تلك الطرق المتعرجة التى مر بها البطل قد وضع فيها بدافع القدر دون أن يختارها بنفسه.
طرق الرب رواية جديدة تغضب الكنيسة
عدد الردود 0
بواسطة:
اشرف عتبه
تحياتى .....
تحياتى لحضرتك استاذة سارة علام مهنيتك عالية جدا فى الكتابة فى هذه المواضيع الحساسة التى ربما لا تكون اراؤك مقتنعة بها .. نشكرك