فى الليلة السابقة حكت شهرزاد عن تفرق الشقيقين بدر الدين والشمس الدين، وموت نور الدين فى البصرة وترك ابنه حسن، الذى هرب خوفا من الوزير الجديد، بينما كان عمه شمس الدين يعانى أيضا فى القاهرة بسبب الحاكم.
وفى الليلة الثانية والعشرين قالت بلغنى أيها الملك السعيد أن الجنى لما حكى للجنية حكاية بنت وزير مصر، وأن الملك قد أقسم أن يزوجها رغم أنف أبيها، بأقل منه وكان عند الملك سائس أحدب بحدبة من قدام وحدبة من وراء فأمر السلطان بإحضاره وكتب كتابه على بنت الوزير بالنهار وأمر أن يدخل عليها فى هذه الليلة، ويعمل له زفافا وقد تركه وهو بين مماليك السلطان، وهم حوله فى أيديهم الشموع موقدة يضحكون ويسخرون منه على باب الحمام، وأما بنت الوزير فإنها جالسة تبكى بين المنفشات والمواشط وهى أشبه الناس بهذا الشاب، وقد حجروا على أبيها ومنعوه أن يحضرها وما رأيت يا أختى أقبح من هذا الأحدب فهى أحسن من هذا الشاب.
قالت له الجنية تكذب فإن هذا الشاب أحسن أهل زمانه، فرد عليها العفريت وقال والله يا أختى إن الصبية أحسن من هذا، ولكن لا يصلح لها إلا هو فإنهما مثل بعضهما ولعلهما إخوان أو أولاد عم فيا خسارتها مع هذا الأحدب، فقالت له يا أخى دعنا ندخل تحته ونروح به إلى الصبية التى تقول عليها وننظر أيهما أحسن، فقال العفريت سمعا وطاعة هذا كلام صواب وليس هناك أحسن من هذا الرأى الذى اخترتيه، فأنا أحمله، ثم إنه حمله وطار به إلى الجو وصارت العفريتة فى كل ركابه تحاذيه، إلى أن نزل به فى مدينة مصر وحطه على مصطبة ونبهه، فاستيقظ من النوم فلم يجد نفسه على قبر أبيه فى أرض البصرة، والتفت يمينا وشمالا فلم يجد نفسه إلا فى مدينة غير مدينة البصرة فأراد أن يصيح فغمزه العفريت وأوقد له شمعة وقال له أعلم أنى جئت بك، وأنا أريد أن أعمل معك شيئا لله فخذ هذه الشمعة وامش بها إلى ذلك الحمام واختلط بالناس ولا تزال ماشيا معهم حتى تصل إلى قاعة العروسة، فاسبق وادخل القاعة ولا تخشى أحدا وإذا دخلت فقف على يمين العريس الأحدب وكل ما جاءك المواشط والمغنيات والمنفشات فحط يدك فى جيبك تجده ممتلئا ذهبا فاكبش وارم لهم ولا تتوهم أنك تدخل يدك ولم تجده ممتلئا بالذهب، فأعط كل من جاءك بالحفنة ولا تخشى من شيء وتوكل على الذى خلقك، فما هذا بحولك وقوتك بل بحول الله وقوته.
فلما سمع حسن بدر الدين من العفريت هذا الكلام، قال يا هل ترى أى شيء هذه القضية وما وجه الإحسان، ثم مشى وأوقد الشمعة، وتوجه إلى الحمام فوجد الأحدب راكب الفرس فدخل حسن بدر الدين بين الناس وهو على تلك الحالة مع الصورة الحسنة، وكان عليه الطربوش والعمامة والفرجية المنسوجة بالذهب وما زال ماشيا فى الزينة، وكلما وقفت المغنيات الناس ينقطوهن، يضع يده فى جيبه فيلقاها ممتلئا بالذهب فيكبش ويرمى فى الطار للمغنيات والمواشط فيملأ الطار دنانير فاندهشت عقول المغنيات وتعجب الناس من حسنه وجماله ولم يزل على هذا الحال حتى وصلوا إلى بيت الوزير، فردت الحجاب الناس ومنعوهم.
فقالت المغنيات والمواشط والله لا ندخل إلا إن دخل هذا الشاب معنا لأنه غمرنا بإحسانه ولا نجلى العروسة إلا وهو حاضر، فعند ذلك دخلوا به إلى قاعة الفرح وأجلسوه برغم أنف العريس الأحدب واصطفت جميع نساء الأمراء والوزراء والحجاب صفين وكل امرأة معها شمعة كبيرة موقدة مضيئة وكلهن ملثمات وصرن صفوفا يمينا وشمالا، من تحت المنصة إلى صدر الديوان الذى عند المجلس الذى تخرج منه العروسة، فلما نظر النساء حسن بدر الدين وما هو فيه من الحسن والجمال، ووجهه يضيء كأنه هلال، مالت جميع النساء إليه. فقالت المغنيات للنساء الحاضرات، اعلموا أن هذا المليح ما نقطنا إلا بالذهب الأحمر فلا تقصرن فى خدمته وأطعنه فيما يقول فازدحمت النساء عليه بالشمع ونظرن إلى جماله فانبهرت عقولهن من حسنه، وصارت كل واحدة منهن تود أن تكون فى حضنه سنة أو شهرا، أو ساعة، ورفعن ما كان على وجوههن من النقاب وتحيرت منهن الألباب وقلن هنيئا لمن كان هذا الشاب له أو عليه ثم دعون لحسن بدر الدين دعون على ذلك الأحدب.
ثم إن المغنيات ضربنا بالدفوف وأقبلت المواشط وبنت الوزير بينهن، وقد طيبنها وعطرنها وألبسنها وحسن شعرها ونحرها بالحلى والحلل من لباس الملوك الأكاسرة ومن جملة ما عليها ثوب منقوش بالذهب الأحمر وفيه صور الوحوش والطيور وهو مسبول عليها من فوق حوائجها، وفى عنقها عقد يساوى الألوف قد حوى كل فص من الجواهر ما حاز مثله تبع ولا قيصر وصارت العروسة كأنها البدر إذا أقمر فى ليلة أربعة عشر، ولما أقبلت كانت كأنها حورية فسبحان من خلقها بهية وأحدق بها النساء فصرن كالنجوم وهى بينهن كالقمر إذا انجلى عنه الغيم وكان حسن بدر الدين البصرى جالسا والناس ينظرون إليه.
فحضرت العروسة وأقبلت وتمايلت فقام إليها السائس الأحدب، ليقبلها فأعرضت عنه وانقلبت حتى صارت قدام حسن ابن عمها فضحك الناس لما رأوها مالت إلى نحو بدر الدين وحط يده فى جيبه وكبش الذهب، ورمى فى طار المغنيات ففرحوا وقالوا كنا نشتهى أن تكون هذه العروسة لك فتبسم، هذا كله والسائس الأحدب وحده كأنه قرد، وكلما أوقدوا له الشمعة طفئت فبهت وصار قاعدا فى الظلام يمقت فى نفسه وهؤلاء الناس محدقون به وتلك الشموع الموقدة بهجتها، من أعجب العجائب، يتحير من شعاعها أولوا الألباب وأما العروسة فإنها رفعت كفيها إلى السماء وقالت اللهم اجعل هذا بعلى وأرحنى من هذا السائس الأحدب، وصارت المواشط تجلى العروسة إلى آخر السبع وخلع على حسن بدر الدين البصرى والسائس الأحدب وحده، فلما فرغوا من ذلك أذنوا بالانصراف فخرج جميع من كان فى الفرح من النساء والأولاد ولم يبقى إلا حسن بدر الدين والسائس الأحدب، ثم إن المواشط أدخلن العروسة ليكشفن ما عليها من الحلى ويهيئنها للعريس فعند ذلك تقدم السائس الأحدب إلى حسن بدر الدين، وقال له يا سيدى آنستنا فى هذه الليلة وغمرتنا بإحسانك فلم لا تقوم تروح بيتك بلا مطرود، فقال بسم الله ثم قام وخرج من الباب فلقيه العفريت.
فقال له قف يا بدر الدين فإذا خرج الأحدب إلى بيت للراحة، فادخل أنت واجلس فى المخدع فإذا أقبلت العروسة فقل لها أنا زوجك والملك ما عمل تلك الحيلة إلا لأنه يخاف عليك من العين، وهذا الذى رأيته سائس من سياسنا، ثم أقبل عليها واكشف وجهها ولا تخشى بأسا من أحد، فبينما بدر الدين يتحدث مع العفريت وإذا بالسائس دخل بيت الراحة وقعد على الكرسى فطلع لله العفريت من الحوض الذى فيه الماء فى صورة فأر، وقال زيق فقال الأحدب ما جاء بك هنا فكبر الفأر، وصار كالقط ثم كبر حتى صار كلبا وقال عوه عوه. فلما نظر السائس ذلك فزع وقال اخسأ يا مشؤوم فكبر الكلب، وانتفخ حتى صار جحشا ونهق هاق هاق فانزعج السائس وقال إلحقونى يا أهل البيت، وإذا بالجحش قد كبر وصار قدر الجاموسة وسد عليه المكان وتكلم بكلام ابن آدم وقال: ويلك يا أحدب يا أنتن السياس فلحق السائس البطن وقعد على الملاقى بأثوابه واشتبكت أسنانه ببعضها فقال له العفريت: هل ضاقت عليك الأرض فلا تتزوج إلا بمعشوقتى فسكت السائس، فقال له: رد الجواب وإلا اسكنتك التراب فقال له: والله مالى ذنب إلا إنهم غصبونى وما عرفت أن لها عشاقا من الجواميس ولكن أنا تائب إلى الله ثم إليك.
فقال له العفريت: اقسم بالله إن خرجت فى هذا الوقت، من هذا الموضع أو تكلمت قبل أن تطلع الشمس لأقتلنك، فإذا طلعت الشمس فاخرج إلى حال سبيلك ولا تعد إلى هذا البيت أبدا، ثم إن العفريت قبض على السائس الأحدب وقلب رأسه فى الملاقى وجعلها إلى أسفل وجعل رجليه إلى فوق، وقال له استمر هنا وأنا أحرسك إلى طلوع الشمس، هذا ما كان من قصة الأحدب وأما ما كان من قصة بدر الدين البصرى فإنه خلى الأحدب والعفريت يتخاصمان ودخل البيت وجلس داخل المخدع، وإذا بالعروس أقبلت معها العجوز، فوقفت العجوز فى باب المخدع وقالت يا أبا شهاب قم وخذ عروستك، وقد استودعتك الله ثم ولت العجوز ودخلت العروسة وصدر المخدع، وكان اسمها ست الحسن وقلبها مكسور وقالت فى قلبها والله لا أمكنه من نفسى لو طلعت روحى، فلما دخلت إلى صدر المخدع نظرت بدر الدين، فقالت: يا حبيبى وإلى هذا الوقت أنت قاعد لقد قلت فى نفسى لعلك أنت والسائس الأحدب مشتركان فى، فقال حسن بدر الدين: وأى شيء أوصل السائس إليك ومن أين له أن يكون شريكى فيك، فقالت: ومن زوجى أأنت أم هو؟ قال حسن بدر الدين: يا سيدتى نحن ما عملنا هذا إلا سخرية به لنضحك عليه.
فلما نظرت المواشط والمغنيات وأهلك حسنك البديع خافوا علينا من العين فأكتراه أبوك بعشرة دنانير حتى يصرف عنا العين وقد راح، فلما سمعت ست الحسن من بدر الدين ذلك الكلام فرحت وتبسمت وضحكت ضحكا لطيفا .
هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين وست الحسن بنت عمه، وأما ما كان من أمر العفريت فإنه قال للعفريتة قومى وادخلى تحت الشاب ودعينا نوديه مكانه لئلا يدركنا الصبح فإن الوقت قريب فعند ذلك تقدمت العفريتة ودخلت تحت ذيله وهو نائم وأخذته وطارت به، وما زالت العفريتة طائرة به والعفريت يحاذيها فأذن الله الملائكة أن ترمى العفريت بشهاب من نار فأحترق وسلمت العفريتة فأنزلت بدر الدين فى موضع ما أحرق الشهاب العفريت ولم تتجاوزه به خوفا عليه وكان بالأمر المقدر ذلك الموضع فى دمشق الشام فوضعته العفريتة على باب من أبوابها وطارت.
فلما طلع النهار وفتحت أبواب المدينة خرج الناس فنظروا شابا مليحا وهو مما قاسى من السهر غرقان فى النوم فلما رآه الناس قالوا يا بخت من كان هذا عقده فى هذه الليلة ويا ليته صبر حتى لبس حوائجه وقال الآخر مساكين أولاد الناس لعل هذا يكون فى هذه الساعة خرج من المسكرة لبعض شغله فقوى عليه السكر فتاه عن المكان الذى كان قصده حتى وصل إلى باب المدينة فوجده مغلقا فنام ههنا فانتبه حسن بدر الدين فوجد روحه على باب مدينة وعليها ناس فتعجب وقال أين أنا يا جماعة الخير وما سبب اجتماعكم على وما حكايتى معكم.
فقالوا نحن رأيناك عند أذان الصبح ملقى على هذا الباب نائما ولا نعلم من أمرك غير هذا فأين كنت نائما هذه الليلة فقال حسن بدر الدين والله يا جماعة إنى كنت نائما هذه الليلة فى مصر فقال واحد هل أنت تأكل حشيشا وقال بعضهم أأنت مجنون كيف تكون بايتا فى مصر وتصبح نائما فى مدينة دمشق فقال لهم والله يا جماعة الخير لم أكذب عليكم أبدا وأنا كنت البارحة بالليل فى ديار مصر وقبل البارحة كنت بالبصرة فقال واحد هذا شيء عجيب وقال الآخر هذا شاب مجنون وصفقوا عليه بالكفوف وتحدث الناس مع بعضهم وقالوا يا خسارة شبابه والله ما فى جنونه خلاف ثم إنهم قالوا له إرجع لعقلك. فقال حسن بدر الدين كنت البارحة عريسا فى ديار مصر فقالوا لعلك حلمت ورأيت هذا الذى تقول فى المنام فتحير حسن فى نفسه وقال لهم والله ما هذا منام وأين السايس الأحدب الذى كان قاعدا عندنا والكيس الذهب الذى كان معى وأين ثيابى، ثم قام ودخل المدينة ومشى فى شوارعها وأسواقها فازدحمت عليه الناس وألفوه فدخل دكان طباخ وكان ذلك الطباخ رجلا مسرفا فتاب الله عليه من الحرام وفتح له دكان طباخ وكانوا أهل دمشق كلهم يخافون منه بسبب شدة بأسه، فلما نظر الطباخ إلى حسن بدر الدين وشاهد حسنه وجماله وقعت فى قلبه محبته.
فقال: من أين أنت يا فتى فاحكى لى حكايتك فإنك صرت عندى أعز من روحي، فحكى له ما جرى من المبتدأ إلى المنتهى. فقال له الطباخ يا سيدى بدر الدين أعلم أن هذا أمر عجيب وحديث غريب ولكن يا ولدى اكتم ما معك حتى يفرج الله ما بك واقعد عندى فى هذا المكان وأنا ما لى ولد فأتخذك ولدى فقال له بدر الدين الأمر كما تريد يا عم. فعند ذلك نزل الطباخ إلى السوق واشترى لبدر الدين أقمشة مفتخرة وألبسه إياها وتوجه به إلى القاضى وأشهد على نفسه أنه ولده، وقد اشتهر حسن بدر الدين فى مدينة دمشق أنه ولد الطباخ، وقعد عنده فى الدكان يقبض الدراهم، وقد استقر أمره عند الطباخ على هذه الحالة. هذا ما كان من أمر حسن بدر الدين، وأما ما كان من أمر ست الحسن بنت عمه فإنها لما طلع الفجر وانتهت من النوم لم تجد حسن بدر الدين قاعدا عندها فاعتقدت أنه دخل المرحاض فجلست تنتظره ساعة وإذا بأبيها قد دخل عليها وهو مهموم مما جرى له من السلطان وكيف غصبه وزوج ابنته غصبا لأحد غلمانه الذى هو السايس الأحدب وقال فى نفسه سأقتل هذه البنت إن مكنت هذا الخبيث من نفسها، فمشى إلى أن وصل إلى المخدع ووقف على بابه وقال: يا ست الحسن فقالت له نعم يا سيدي، ثم إنها خرجت وهى تتمايل من الفرح وقبلت الأرض بين يديه وازداد وجهها نوراً وجمالاً لعناقها لذلك الغزال، فلما نظرها أبوها وهى بتلك الحالة قال لها: يا خبيثة هل أنت فرحانة بهذا السايس.
فلما سمعت ست الحسن كلام والدها تبسمت وقالت: يا الله، يكفى ما جرى منك والناس يضحكون على ويعايرونى بهذا السياس الذى ما يجيء فى إصبعى قلامة ظفر. إن زوجى والله ما بت طول عمرى ليلة أحسن من ليلة البارحة التى بتها معه، فلا تهزأ بى وتذكر لى ذلك الأحدب فلما سمع والدها كلامها امتزج بالغضب وازرقت عيناه وقال لها: ويلك أى هذا الكلام الذى تقولينه، إن السايس الأحدب قد يأت عندك فقالت: بالله عليك لا تذكره لى قبحه الله وقبح أباه فلا تكثر المزاح بذكره فما كان السايس إلا مكترى بعشرة دنانير وأخذ أجرته وراح وجئت أنا ودخلت المخدع فنظرت زوجى قاعداً بعدما جلتنى عليه المغنيات ونقط بالذهب الأحمر حتى أغنى الفقراء الحاضرين وقد بت فى حضن زوجى الخفيف الروح صاحب العيون السود والحواجب المقرونة.
فلما سمع والدها هذا الكلام صار الضياء فى وجهه ظلاماً وقال لها: يا فاجرة ما هذا الذى تقولينه؟ أين عقلك، فقالت له: يا أبت لقد فتت كبدى لأى شيء تتغافل فهذا زوجى الذى أخذ وجهى قد دخل بيت الراحة وإنى قد علقت منه، فقام والدها وهو متعجب ودخل بيت الخلاء فوجد السايس الأحدب ورأسه مغروز فى الملاقى ورجلاه مرتفعة إلى فوق فبهت فيه الوزير وقال: أما هذا هو الأحدب فخاطبه فلم يرد عليه وظن الأحدب أنه العفريت.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة