حسم الشعب المصرى قراره، وقال «نعم» عالياً للتعديلات الدستورية التى استهدفت إصلاحاً سياسياً، نرجو أن يكون شاملاً، ونقطة انطلاق لا تتوقف فى سبيل تحديث الدولة المصرية، ودعم ركائزها بما يتوافق وقواعد وأسس الدولة المدنية الحديثة، ولكن ماذا بعد؟!
لا شك أن السؤال إجابته ليست بالبساطة التى قد يتصورها البعض، فمازال أمامنا الطريق طويلاً، مشحونا بالتحديات والمصاعب التى تتطلب تضافر كل الجهود من أجل بلوغ تطلعات الشعب المشروعة فى حياة كريمة حرة، تسترد فيها مصر مكانتها الرائدة على الساحتين الإقليمية والدولية.
فليس من شك أن التعديلات الدستورية حركت الراكد فى الحياة السياسية، ونريده إلى حركة دائبة لا تنقطع، وفى الطريق الصحيح، مُستلهماً التجارب الدولية الناجحة، مستفيداً من أخطاء الماضى، ميالاً إلى تعميق وترسيخ الكثير من المفاهيم التى لا يصح بناء دولة حديثة فى غيابها.
بالفعل تحركت الأحزاب دعماً للتعديلات الدستورية؛ وإن كنت قد تمنيت لو أن دورها علا إلى آفاق أبعد من ذلك، لكنها بالفعل قامت بدور حقيقى فى توعية الشعب بالتعديلات، وساهمت فى الحوار المجتمعى الذى دار بشأنها، وها هو الشعب قال «نعم»، فماذا بعد؟!
هل ستعود الأحزاب أدراجها إلى صراعاتها الداخلية؟، فتستخدم مجلس الشيوخ المقبل فى تأجيج المنافسات السياسية الرديئة المعتمدة على موروث سياسى ما عاد يليق بمصر، الدولة التى تستهدف نمواً سياسياً أخاذاً لا يقل عن خططنا نحو تحقيق النمو الاقتصادى اللافت الذى تُبشرنا به كل المؤسسات المالية والنقدية فى العالم.
هل سنعتبر مجلس الشيوخ المقبل فرصة لفتح جولات من الصراع السياسى يفتقد إلى أبسط قواعد المسؤولية الوطنية، فتلجأ الأحزاب إلى شراء المرشح الجاهز الحائز على شعبية كبيرة فى دائرته الانتخابية، بغض النظر عن انتمائه الحزبى، ومن ثم تشتعل الصراعات داخل كل حزب؟!
لست أتصور إلا أن الاستفتاء على التعديلات الدستورية ينبغى أن يُشكل منطلقاً للجميع، نتكاتف خلاله بحثاً عن المصلحة الوطنية، على حساب أى مصلحة شخصية أو حزبية، وغير ذلك سيفتقد الجميع ثقة المواطن، الذى لا أشك لحظة فى نمو وعيه إلى حد بات معه قادراً على فرز الثمين من البخس، والجيد من الردىء.
من جهة أخرى، هل ستستعد بحق الفئات التى انحازت التعديلات الدستورية لها، وأعلت من حصصها فى البرلمان؟! أم أن فكراً جديداً لم ندركه بعد بموجبه نفسح المجال أمام كل فئات المجتمع للمشاركة بقوة فى الحياة السياسية، وعلى أسس سليمة.
من ذلك أن المرأة المصرية لابد أن تطور من أدائها فى المشاركة السياسية، فلم يعد كافياً أن تشارك كناخبة، ويشكل حضورها المكثف ملمحاً متكرراً فحسب، بل ننتظر أن تشارك بقوة فى المعركة الانتخابية، وكفانا حديثا، رجعيا وقديما، عن أن المرأة المصرية لا تستطيع التعامل مع أدوات وآليات السباق الانتخابى، فذلك حديث ينبغى أن يختفى؛ ذلك أن تمثيلاً مُشرفاً للمرأة تحت قبة البرلمان ينبغى أن يبدأ من مشاركتها بقوة فى السباق الانتخابى، بكل ما يحمله من ممارسات بالفعل شاقة، فأشق منها العمل داخل البرلمان ذاته، وغير ذلك نكون قد أهملنا دروساً مفيدة ستتعلمها المرأة إذا ما انخرطت بقوة فى السباق الانتخابى، وهو ما سينعكس إيجابياً بكل تأكيد على أدائها داخل البرلمان.
وفى ذلك أدعو إلى تعزيز دور المجلس القومى للمرأة فى هذا الشأن، دون أدنى تحيز سياسى أو حزبى، كما أدعو القائمين على السباق الانتخابى المنتظر إلى ضبط الأداء بما يضمن توفير المناخ المناسب للمرأة للنهوض بدورها بقوة فى المعركة الانتخابية.
أما الشعب، فلست أعتقد أنه بحاجة إلى تذكيره بأهمية حُسن الاختيار، وعلينا جميعاً أن نؤكد أن مفهوم «نائب الخدمات» فى طريقه إلى الزوال، خاصة أن المحليات القادمة بإذن الله ستتولى الأمر، أو هكذا نرجو، بحيث يتفرغ نائب البرلمان لبحث ودرس القضايا الوطنية، ويكف عن اللهث وراء المسؤول لتخليص مصالح أبناء دائرته، ثم يكون مطلوباً من النائب بعد ذلك إعمال الرقابة على أداء هذا المسؤول!! فذلك وضع مثير للدهشة والاستغراب، ولا تعرفه المجتمعات الديمقراطية الحقيقية التى نبتغى أن ننضم لها بصدق وأمانة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة