ما زالت التعديلات المتعلقة بالرئاسة تحظى بجل اهتمام المحللين والإعلاميين على حساب ما عداها من تعديلات مقترحة، الأمر الذى أُحذر منه، إذ إنه سيدفع بتعديلات ربما غير مدروسة جيداً إلى الإقرار بالفعل، ربما يدفعهم إلى ذلك أهمية المنصب الرفيع، وضخامة دوره فى التجربة الوطنية، باعتبار مصر دولة مركزية.
وهنا لا بد من التنويه عن أن التعديلات المتعلقة بالرئاسة، سواء من حيث المدة «4 سنوات أو 6 سنوات» على سبيل المثال، أو كانت متعلقة بفترات الرئاسة «فترتين أو عدد مفتوح من الفترات»، هذه التعديلات إنما تنطلق من ثقة الشعب فيما أبداه الرئيس السيسى من جهود جبارة فى سبيل إنقاذ الوطن من الوقوع فريسة الحكم الإخوانى، وما تلاه من أداء رفيع دفع بالوطن بالفعل إلى آفاق رحبة من التنمية، فضلاً عن استعادة دور مصر الريادى فى أفريقيا والمنطقة العربية عموماً، إلى جانب إقامة علاقات إقليمية ودولية متنوعة أفادت كثيراً فى مد النفوذ المصرى إلى أبعد حد بلغته فى تاريخ الدولة المصرية.
ورغم ذلك، فإن إهمال التعديلات غير الرئاسية يمثل ضياعاً لفرص حقيقية لا من أجل إجراء حوار مجتمعى جاد وحقيقى فحسب، بل بغرض تنشيط كافة أطراف العملية السياسية على زيادة فعاليتها، وتأكيد التحامها بالشارع، وأقصد هنا الأحزاب السياسية التى عليها أن تقتنص الفرصة وتثبت أنها بالفعل على صلة بمسؤوليتها الوطنية التى تحتم عليها النهوض بوظائفها فى المجتمع ككل، وليس فى النظام السياسى فقط، فليس من شك أن التعديلات المقترحة تشمل أموراً غاية فى الأهمية لا ينبغى أن تمر دون بحث ودرس فى إطار من الموضوعية والجدية اللازمة التى تفرضها ما يمر به الوطن من منعطفات حادة مشحونة بالتحديات والمخاطر، فى الداخل والخارج على السواء.
ولست أشك أبداً أن الإصلاح السياسى عامة يمثل الهدف المشروع للتعديلات الذى من أجله ينبغى أن نتكاتف جميعاً لدحر ما فى موروثنا السياسى والثقافى من سلبيات تعوق حركة الدولة نحو إنجاز ما يطمح إليه الشعب من حياة كريمة حرة.
من ذلك أن الاقتراح المتعلق بإعادة مجلس الشيوخ، وقد عرفناه سابقاً باسم مجلس الشورى، يفيد كثيراً فى تخفيف الضغط عن مجلس النواب، والدفع بخبرات متنوعة يحتاجها العمل التشريعى والرقابى على حد سواء، غير أن ملاحظات سريعة ينبغى الإشارة إليها فى هذا الشأن، يمكن إيجازها على النحو التالى:
• لا بد من تحديد واضح وقاطع فى اختصاصات مجلس الشيوخ بما لا يجعل منه ديكوراً سياسياً، أو مساحة لترضية كل من يفشل فى دخول مجلس النواب.
• عند إلغاء مجلس الشورى فى الدستور السابق، تمت الاستعاضة عنه بتوسيع عدد مقاعد مجلس النواب، لاستيعاب المزيد من الكفاءات، ولتمثيل مناسب للتعداد السكانى، وللتوزيع الجغرافى للسكان، فماذا سنفعل مع عودة مجلس الشيوخ؟ هل سنخفض عدد أعضاء مجلس النواب؟ أم سيستمر العدد على ما هو عليه؟ كل ذلك متاح ومفتوح للنقاش العام، الذى لا يصح أن يغيب عنه رؤى المتخصصين وهم وفرة تذخر بهم مصر، وشاركوا بجهود متميزة فى وضع دساتير العديد من الدول.
وفيما يتعلق بالكوتة المتعلقة بفئات بعينها من أبناء الشعب، هناك اتجاهات متباينة، سأفرد لها مقالاً خاصاً، لا ينبغى أن نواجهها بخطاب منغلق يدفع بنا باتجاه الطعن فيما نالته هذه الفئات بحكم دستور 2014، بل وبحكم الاهتمام الفريد الذى حظيت به من مؤسسة الرئاسة تحديداً، باعتبارها رأس السلطة التنفيذية المنوط بها إدارة شؤون الدولة.
كذلك الأمر ينبغى أن يخضع للدقة فى ضوء التجربة السريعة لتطبيق دستور 2014، وذلك فيما يتعلق بالنسب المقررة للصحة والتعليم والبحث العلمى، وفى ذلك أيضاً رؤى متباينة لست أرى فيها أى خروج عن الأرضية الوطنية التى تجمعنا فى مواجهة ما نواجهه من مصاعب فى سبيل ترسيخ أسس وقواعد دولة مدنية حديثة تستجيب لتطلعات الشعب.
وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة