إعادة بناء الدول لا تتم بالتصريحات والوعود والأحلام.. إعادة البناء تتم عبر خطط ودراسات وعرق وجهد وصبر، وهو ما يحدث فى مصر الآن.. الرئيس عندما تسلم الدولة فى عام 2014 لم تكن الشرطة قد عادت إلى مكانتها وكانت عصابات الإخوان تخترق اجهزة وجهات حكومية عديدة، وكان وجودهم على الأرض مدعوما بتنظيمات مسلحة ترتع فى شمال سيناء وتمتلك أسلحة وأجهزة اتصال حديثة.. تسلم دولة بها 104 أحزاب سياسية لا يستطيع أى مواطن أن يحصى عددهم كأسماء، ولا توجد لأغلبهم أى قواعد شعبية ويقابلهم نفس الرقم من ائتلافات الثورة، كما أطلقوا على أنفسهم.. تسلم دولة تصل نسبة الإصابة بالمرض فيها حوالى 30% من الشعب واحتياطى دولارى منهار.
الصورة كانت قاتمة وأى نظام يحكم دولة مرت بالتجربة القاسية التى مرت بها مصر منذ يناير 2011 وحتى ذلك الوقت فى يونيو 2014 مضافا إليها تراكمات قديمة فى العديد من المحافظات والمجالات.. أى نظام يحكم فى ذلك الوقت أمامه، أما أن يتمسك بسياسة التسكين والترحيل، وهو ما كان مبارك وسابقوه يلجأون إليه، وهو الأسهل والأضمن أن اقترض وأعطى المواطن دعما وترتفع المرتبات والدخول ومعها يرتفع التضخم، فيأكل أى زيادات فى الدخل.. ويظل الحال كما هو، لا تعليم متقدم، ولا صحة جيدة، ولا صناعة متطورة، ولا جيش قوى، ولا شرطة حديثة.
الاختيار السهل كان موجودا، ولكن ماذا بعد؟ سنصل إلى مرحلة انهيار كما حدث فى بعض دول أمريكا اللاتينية أو أفريقيا.. الاختيار الثانى كان المواجهة، وهو ما قرر الرئيس السيسى اختياره.. وكرجل وقيادة عسكرية أخذ القرار، ولكنه وكما نذكر جميعا قال لنا صراحة قبل اختياره رئيسا، وأكد أننا لن ننام وسنواجه، ومطلوب أن نحتمل وقبلنا ذلك، واختار الشعب أن يتحمل مسؤولية توفير حياة كريمة لأجيال قادمة.. تضحية هذا الجيل سيذكرها التاريخ والأجيال القادمة، فالمشروعات التى تقام والمدن التى تنشأ سيكون عائدها لأبناء مصر المستقبل، وكما دفعت أجيال أخرى ثمن تحرير سيناء وانتصار أكتوبر، وجنينا نحن ثمار ذلك يجب أن نقدم نحن وأجيال قريبة منا تضحية من أجل أن تحيا الأجيال القادمة فى حياة كريمة وبلد آمن واستثمار مستقر.
الاختيار الصعب كان المواجهة، أن يصل البلد إلى مرحلة الأمن وأن يعود للمواطن أمانه فى الشارع والمنزل، أن تخرج وقت أن تشاء وتعود كما تريد، أن تحيا حياتك بأمان، وذلك يتطلب جيشا قويا، وهو ما حدث، وصل جيشك إلى الترتيب العاشر عالميا وقواته البحرية إلى الترتيب السادس عالميا، جيش مصر يمتلك الآن أحدث المعدات من طائرات الرافال وحاملات الطائرات وأنواع الدبابات والمدفعية.. لديك جيش قوى يحمى حدودك، لابد وأن يكون ظهيره شرطة قوية أيضا تحمى أمنك الداخلى وهو ما تحقق فى السنوات الماضية، انخفض معدل الجريمة وتقلصت العمليات الإرهابية، وعدنا كما كنا مدينة القاهرة العاصمة التى لا تنام وتستطيع أن تقطع الطريق من الإسكندرية إلى أسوان وأنت آمن..
الخطوة الأولى من المواجهة تمت، وخلق جو أمن أصبح موجودا ومحققا.. الخطوة الثانية أن تعيش حياة كريمة فى وطنك وكيف يحدث ذلك وآلاف الأسر يعيشون فى منازل بها حمام ودورات مياه مشتركة وغيرهم يسكنون مساكن من الصفيح وغيرهم يفترش الشوارع نهارا وتحت الكبارى ليلا وملايين يحملون فيروس سى يأكل أكبادهم ويقتل حياتهم، وبدأ العمل المتوازى فى مجالات عديدة واجهت مصر الدولة المرض بحملات نجحت فى وقف انتشار المرض ثم القضاء عليه، وعادت البسمة للملايين، ويكاد طابور الانتظار ينتهى وفى الطريق تطوير لمئات المستشفيات ومراكز العلاج، بل الكشف عن ظواهر قد تؤخر التنمية مثل السمنة والتقزم فبدأت حملات المواجهة للقضاء على الظاهرة قبل حدوثها وانتشارها.. وكان إعداد الحياة الكريمة للمواطن هدفا رئيسيا، فبدأت المواجهة مع العشوائيات أو الأماكن الأكثر خطرا وظهرت الأسمرات ومنطقة غيط العنب وروضة السيدة وأماكن أخرى عديدة جرى بناؤها وتحويلها إلى مناطق تملك مقومات الحياة الكريمة وتحول سكان المناطق الخطرة إلى ملاك لوحدات سكنية يستطيعون إن يغلقوا أبوابها عليهم وهم آمنون..
لديك جيش قوى وشرطة تساعده والدولة تبدأ فى الإعداد لكى يحصل المواطن على مفردات الحياة الكريمة من ملبس ومسكن وعلاج وتعليم، كل ذلك يجب أن يتم الصرف عليه من دخول استثمار قوى وهو ما يحدث حاليا، مئات الكيلومترات من الطرق التى شقت ليست ترفيها وعشرات الكبارى والأنفاق ليست تسهيلا للمواصلات، ولكنها بنية تحتية لتسهيل الاستثمار.. فالمستثمر لن يأتى إلى دولة غير مستقرة أو لا تملك شبكة طرق جيدة.. الإعداد لاستقبال وجذب المستثمر يتطلب الكثير وهو ما يحدث حاليا فى مناطق عديدة بدءا من الجلالة والعلمين وجنوب سيناء والمدن الجديدة والطرق والمطارات.
مصر إذن تستقبل عصرا جديدا من التنمية والاستقرار، وكما تغيرت أوجه حياة كثيرة فى مجالات مختلفة، فأمامنا تغير مهم يجب أن يحدث فى الشارع السياسى، أن تعود للأحزاب قوتها على الأرض، وأن تختفى عشرات التنظيمات الورقية ليحل محلها أحزاب قليلة العدد قوية التواجد، وأن يدرك المواطن أن وجوده أمام الصندوق لتعديل الدستور هو أيضا مهم فى الإعداد للمستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة