اليوم نتابع الحديث عن بعض التعديلات المقترحة للدستور، وبيان ما بها من مكتسبات لبعض فئات أو قطاعات فى الدولة، تماشياً مع خطواتنا باتجاه بناء دولة مدنية حديثة، تلبى كل متطلبات عملية التنمية المستدامة التى أعلنتها مصر خطة استراتيجية لها، تنسجم وتوجهات الأمم المتحدة فى هذا الشأن.
وقد تحدثت فى مقالين سابقين عن التعديلات المتعلقة بالرئاسة فى عجالة، وسأعود إليها لاحقاً بشىء من التفصيل، فى ضوء تجارب دولية أثمرت بالفعل تقدماً فى حياة شعوبها، غير أننى اليوم أتجه عامداً إلى مواد لا تتعلق بالرئاسة، وتتوزع بين ما يتعلق بتمثيل العديد من الفئات بالمجتمع، وذلك على النحو التالى:
المادة 102، وتتعلق بتحديد حصة للمرأة فى البرلمان، والمقترح أن تصل هذه النسبة إلى ما لا يقل عن 25 فى المائة، وقد يرى البعض أن فى ذلك تمييزاً يتناقض مع ما فى الدستور من قيم ومبادئ تفرض المساواة وتكافؤ الفرص، غير أن الظروف التى مرت بها البلاد، وما أظهرته المرأة من جهد متميز فى العمل الوطنى العام، فضلاً عن النظرة الإيجابية التى تتمتع بها المرأة فى النظام السياسى عموما، كل ذلك كان دافعاً لرفع نسبة تمثيل المرأة فى البرلمان، علماً بأنها على أرض الواقع تمثل نحو 50 فى المائة من الشعب تقريباً، غير أن وجهة نظر ينبغى أن تُحترم تؤكد أن رفع نسبة المرأة إلى هذا الحد قد لا يمثل تحفيزاً للمرأة للانخراط فى العمل العام قدر ما فيه من «ارتكان» إلى مكاسب ثابتة.
تعديل المادتان 244،234، بهدف ضمان استمرارية التمثيل المناسب للفلاحين والعمال والشباب والأقباط والمصريين بالخارج والأشخاص ذوى الإعاقة، وهنا يبدو المنطق واضحاً باتجاه تفعيل التكامل الوطنى من كافة فئات المجتمع ذات الخصوصية، وفى ذلك لا أرى أن مانعاً حقيقياً يمكن أن يعوق مثل هذه التعديلات، على أن نترك التجربة تتحدث عن نفسها، ونعيد تقييم الأوضاع لاحقاً فى ضوء أداء كل من هذه الفئات، ومدى تجاوبها مع ما أُلقى عليها من مسؤوليات وطنية.
من جهة أخرى، لا أميل إلى تأييد ما يصدر عن العديد من الجهات بموافقة العاملين فيها على التعديلات الدستورية المقترحة، وأغلب الظن أن من أصدروا هذه «الإعلانات» لم يقرأوا التعديلات بشكل دقيق يتيح لهم الإعلان بهذا الشكل الذى يهدر ما فى الحوار المجتمعى الحر من شفافية وبحث ودرس بموضوعية.
وأرى كذلك أن كل هؤلاء إنما ينطلقون من تأييدهم الجارف للرئيس السيسى طلباً لبقائه فترات أكثر ومدة أطول، وهم فى ذلك يعبرون عن السواد الأعظم للشعب فعلاً، لكن الأمر يتعلق بكثير من التعديلات غير الرئاسية، وليس ما يخص الرئاسة فقط.
وهنا أجد لزاماً على قادة الرأى والنخبة النهوض بدورهم بالغ الأهمية فى التوعية بأن التعديلات تتسع لكثير من الأمور المهمة جداً والفارقة فى حياة الناس، وليس الأمر مقصورا على الرئاسة.
يأتى ذلك من خلال وسائل الإعلام البالغة الأثر فى تشكيل وتوجيه الرأى العام، ففى ذلك مهمة وطنية بالغة الأهمية، ويمكن أن تُغنينا عن مشكلات كبيرة بعد ذلك إذا ما مرت تعديلات دون موافقة حقيقية من الناس ووعى كامل بحقيقتها وأثرها فى حياتهم.
ولا أود الإشارة إلى بعض المتخصصين شاركوا بالفعل فى هذا الأمر فى سباق غير مدروس نحو إحداث تعديلات لم تأخذ نصيبها الصحيح من المناقشة، وهم فى ذلك أراهم يفرطون فى مسؤولياتهم الوطنية المنوطة بهم كعقول مُفكرة ينبغى أن تقود حركة الحوار المجتمعى.
من جهة أخرى، فإننى مع القائلين بأن التعديلات الدستورية المقترحة لن تكون آخر المطاف، ويمكن للتجربة أن تُفصح عن تعديلات أخرى واجبة فيما بعد، لكن الأمر لا ينبغى تناوله بهذه السهولة، فمسألة تعديل الدستور ينبغى أن تحظى بوافر الاحترام، ولا تترك تحت الطلب فى أى وقت، وفى أى مناسبة، وإلا أهدرنا ما للدستور من ثقة ومصداقية كأساس ترتكز إليه علاقة الدولة بسلطاتها بالشعب، وما بها من تعهدات والتزامات على النظام السياسى إجمالاً مقابل ما له من صلاحيات واختصاصات، ومن هنا تأتى أهمية إجراء حوار مجتمعى جاد وحقيقى، لا مجرد مظاهرات تأييد.. وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة