فاتورة استيراد الغذاء فى مصر تحتاج إلى وقفة، الأرقام مخيفة، ومقلقة، وتستلزم قرارات سيادية لسد الفجوة الغذائية، التى تترجم رقميًا بنحو 228 مليار جنيه خلال العام الماضى، وهذا رقم صعب البلع والهضم، ويحتاج إلى ترشيد، وقبله يحتاج إلى إنتاج بعض الأغذية وتوفير بدائل محلية لسد بعض هذه الفجوة الرهيبة.
تقرير مصلحة الجمارك عن حركة السلع الأساسية الواردة لمصر، خلال العام الماضى، كشف عن استيراد خضراوات طازجة ومبردة ومحفوظة بقيمة 60.293 مليار جنيه.. هل هذا مهضوم فى بلد زراعى، هل هناك مخطط وطنى لتضييق هذه الفجوة، هل ترجم هذا الرقم السالب إلى سياسات زراعية جديدة تضمن تقليص الاعتماد على الخارج فى توفير الخضر والفاكهة، إنتاجًا وتصنيعًا، هل هناك خطة لإقامة صناعات غذائية أو إقالة الصناعات الغذائية من مرقدها لتسد الفجوة فى المبرد والمحفوظ، ليست معضلة زراعية توجيه الفلاحين والزراع فى الأراضى الجديدة على اتساعها إلى زراعة الأصناف المستوردة، حددوا الأصناف ووجهوا الزراع لسد الفجوة أو جزء منها.
ترتبط بأعلاه أرقام أخرى تجعل استمرارية الفجوة الغذائية على هذا النحو الذى يستنزف مقدرات الاقتصاد المصرى محل استفهام، نحن نستورد حبوب الشوفان والذرة والدقيق وفول الصويا، حبوب الشوفان تكلفنا 53 مليارًا، ثم الأقماح بقيمة 42.350 مليار، الأرز بقيمة 100 مليون جنيه، والبقوليات بقيمة 6 مليارات جنيه، فضلا عن استيراد زيوت بقيمة 22 مليارًا.
يعنى لا الزراعة ناجحة فى سد حاجتنا من الشوفان أو القمح أو البقوليات، ولا من الفاكهة والخضر، هل يمكن التركيز فى سد الحاجة فى أى منها مستقبلا؟ بلاها الشوفان والقمح، أيصعب علينا سد الحاجة إلى البقوليات، هل يجوز استيراد فول مدمس من كاليفورنيا!
يقينًا هناك حل، فقط توضع هذه الأرقام على طاولة مجلس الوزراء وينظر رئيس الحكومة فيما يرى، ويستصحب الخبراء فى هذه المجالات، ويقف على الخطط الزراعية الموضوعة، ويرى بعيون الخبراء كيف يتم ردم هذه الفجوة الرهيبة.
ليس مطلوبًا زراعة كل شىء، فقط نسد الفجوة فى صنفين أو ثلاثة، فقط نعتمد سياسات زراعية تقوم على أرضية رقمية ودراسات للأسواق، وبحث سبل إعادة الحياة للصناعات الغذائية، نملك بنية أساسية لصناعات غذائية موروثة يعلوها التراب ويعشش فى أركانها العنكبوت، فرصة لإعادتها للحياة ونفض غبار السنين عنها، ورفدها بالتمويلات اللازمة للتحديث والإنتاج ورسم سياسات تسويقية لإعادتها إلى الأسواق لسد الفجوة.
وأزيدكم من تقرير الجمارك أرقامًا استيرادية محزنة، نستورد حيوانات حية ولحوما وأسماكا طازجة ومجمدة وقشريات ورخويات «جمبرى وأخواته» بنحو 27.766 مليار جنيه، ومحضرات من اللحوم والأسماك بنحو 3.293 مليار، ومنتجات الألبان مقابل 11.623 مليون جنيه.
أتمنى أن تسد المزارع السمكية العملاقة فى بركة غليون وبورسعيد، وينجح مشروع البتلو بعد إعادة بعثه إلى الحياة، فى تضييق الفجوة، ومعلوم هناك مخطط معتبر فى هذا السياق، وأظن أن هذه الفجوة يجرى العمل على تضييقها فعليًا وعمليًا وعلى الأرض ووفق دراسات معمقة وأنفق عليها مليارات مستحقة تغنينا عن مليارات تنفق سنويًا.
آخر الأثافى، المزاج، مزاج المصريين، نحن نستورد شايًا وقهوة فقط بقيمة 7.071 مليار جنيه، مضافًا إليها استيراد سكر بقيمة 6.384 مليار جنيه، مزاج المصريين يكلف كثيرًا، وهذا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعادات المصرية فى الاستهلاك المفرط للسكر والشاى والقهوة، ليس من باب التضييق على الناس، بل بحثًا عن أسباب هذا الارتفاع المطرد فى استهلاك الثالوث الشهير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة