هرمنا على قاعدة مناخية راسخة رسوخ الجبال الرواسى، فى وصف الحالة المناخية المصرية تقول: «حار جاف صيفًا دافئ ممطر شتاء»، يقينًا باتت ماضيًا، وبالأحرى اختصار مخل لطقس مختل، قاعدة أطاحها شتاء هذا العام الذى جاء زمهريرًا سيبريا مثلجًا، عاصفًا ترابيًا ممطرًا، تداخلت فيه الشهور الشتوية جميعًا.
بتنا وأصبحنا لا نميز شتاء بين أيام شهر طوبة «يخلى العجوزة كركوبة»، وأمشير «أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير»، ولا نفرق صيفًا بين برمهات «روح الغيط وهات» وشهر برمودة «الذى دُق العامودة»، أى دُق سنابل القمح بعد تمام نضجها، الشهور تشابهت علينا .
فليعكف علماء المناخ على رصد المتغيرات المناخية فى الحالة المصرية، ويقفوا ويتبينوا ماذا حدث للمناخ المصرى، حتما ولابد من وصف جديد، فلا هو حار جاف صيفًا بتلطف، بل قائظ يسيل من حر صيفه عين القطر «النحاس» ويلين الحديد، وشتاؤه قارس يقطم المسمار بردًا، لا ترى لياليه دفئًا، بل صقيعا مريعا «يخلى الشابة كركوبة» ولا تسل وقتئذ عن العجوز الكركوبة.
ما أعلمه أن هيئة الأرصاد لم يفتها الطقس، وتعكف على درس الحالة المناخية، للنظر فيما طرأ من تغيرات مناخية خلال نصف قرن مضى، الدراسة يقينًا ستستغرق وقتًا أتمنى ألا يطول، لأن رسم الخريطة المناخية الجديدة ترسم الخريطة الزراعية الجديدة، تقلبات المناخ بلبلت الفلاحين، وأطارت صوابهم، ولخبطت ثوابتهم، وزعزعت قوانينهم الزراعية، فلم يعودوا يميزون بين مسرى وبرمهات «من أسماء الشهور القبطية التى تنظم الزراعة المصرية مرتبطة بنجم الشعرى اليمانى».
ما نرجوه من الدكتور أحمد عبدالعال، رئيس هيئة الأرصاد الجوية عاجلاً، إنجاز الدراسة المعمقة للحالة المناخية، وهذا ليس رفاهية متفكهين، أو من قبيل اللغو غير السياسى، أو ملء المساحات الفاضية صحفيًا، أو تزجية فراغ لناس فاضية، الثابت يقينًا وعلى رؤوس الأشهاد من زعابيب، أن المناخ المصرى تقلب تمامًا، صار متقلبًا، مزاجه متعكر، وما هو ثابت من يوميات شتاء سيبيرى هذا العام لا يستقيم مع دافئ ممطر شتاءً، وبخبرة البشر فيه حاجة مش طبيعية، يا ترى يا هل ترى، ماذا تخبئ الغمام؟
ولا يستنيم خبراء الأرصاد طويلا على اعتقاد فى قاعدة حار جاف صيفا دافئ ممطر شتاءً، لا يودون المساس بها وكأنها من الثوابت المرعية، مع أن العالم بأسره يغير قواعده المناخية، لسنا استثناء، ويستوجب أن نذهب سريعا إلى قراءة جديدة لمؤشرات المناخ المصرى خلال العقد الأخير على أقل تقدير، هذا من قبيل الأمن القومى الذى يرتهن بالأمن الغذائى، فضلا عن معايش الناس، وطبيعة اللباس، وشيوع الأمراض، ومتوالية الأوبئة المقبلة من خارج الحدود فى بلد تلفه صحراوات قاحلة ذات مناخ قارى.
أخشى أنها عوامل بيئية، انبعاث الملوثات فى طبقات الجو العليا ربما كان سببا، ونحن بلد مداخنه لا تتوقف ثانية عن بعث أكاسيد الكربون وخلافها فى الهواء فليدلنا علماء البيئة ويبحثون كثافة التلوث فى الطبقات العليا والطبقات القريبة من الأرض، جو خانق صيفًا إذا جاز القول مناخيًا.
فى تصريحات سابقة لرئيس هيئة الأرصاد الجوية ينفى «أن تكون هناك نية مبيتة لتغيير الوصف القديم»، وما الذى يمنع من تغيير الوصف واقعيًا، القاعدة القديمة حار جاف صيفًا استنها علماء، وتغييرها سيقوم عليه علماء، لا هى معادلة مقدسة ولا اكتسبت قداسة، هنا لا نتحدث عن صحيح البخارى، نتحدث عن صحيح وصف المناخ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة