فى ظهر الثلاثاء 17 فبراير، مثل هذا اليوم 1948، قام الإمام يحيى حاكم اليمن منذ 1904 بجولة تفقدية لإحدى ضواحى صنعاء، مصطحباً ابنه الأصغر سيف الإسلام عبدالرحمن، وأحفاده الأمراء الحسن وعبدالله والحسين أبناء سيف الإسلام الحسن، ورئيس وزرائه القاضى العمرى، وكان يرافقهم حارسان، حسب «عبدالله حميد الدين» فى «جريدة الحياة- 27 فبراير 2004».
يضيف «حميد الدين»: «فى منتصف الطريق رغب سيف الإسلام والأميران الحسن وعبدالله بالنزول من السيارة، فأنزلهم الإمام وترك معهم أحد الحارسين، وأراد أن يُنزل الحسين أيضاً، لكنه آثر البقاء مع جده، وفى طريق العودة فى منطقة «سواد حزيز» اضطرت السيارة للوقوف بعدما وضعت فى طريقها بعض الصخور، وعندها أطلق كمين مسلح النار التى أصابت السيارة بأكثر من مئة طلقة، أصاب نصفها الإمام، وقضت البقية على رئيس وزرائه وحارسه وسائقه وحفيده، وفى صنعاء أعلن عن قتل الإمام، ونسبته الجهات التابعة للفضيل الورتلانى وعبدالله بن الوزير إلى مجهولين، وقتل أيضاً سيف الإسلام الحسين، وسيف الإسلام المحسن، ودفنا فى حديقة «دار السعادة» بيت الإمام يحيى، ثم نقلا بعد أيام ودفنا إلى جانب الإمام ومن قُتل معه، قرب مسجد الرحمة فى صنعاء، ووضع أبناؤه: على والقاسم وإسماعيل ويحيى فى سجن قصر السلاح، وفى مدينة تعز رُتِّب لاغتيال سيف الإسلام أحمد ابن الإمام فى كمين فشل فى مهمته».
كان للجماعة ومرشدها حسن البنا، الدور الرئيسى فى العملية، وحسب «عبدالله حميد الدين»: «يستفاد من بعض أدبيات الجماعة وبعض الوثائق السرية فى تلك المرحلة أن الدور الأبرز فى مشروع اغتيال الإمام يحيى كان لهم، وتصدر هذا الدور «الفضيل الورتلانى» مبعوث البنا إلى الإمام يحيى، وهو شخصية جزائرية مؤثرة لعلمه وقدرته الخطابية وقوة شخصيته، وكان المرجع الفكرى والموجه السياسى لحركة «الأحرار اليمنيين»، «التى نفذت الاغتيال»، والسؤال: متى وأين بدأت هذه القصة هذا التى حركها «البنا»؟.. والإجابة تبدأ بمعرفة واقع اليمن تحت حكم الإمام يحيى، فحسب الأديب اللبنانى «أمين الريحانى» فى كتابه «ملوك العرب، رحلة فى البلاد العربية»: «كان يعتقد أن الإمامة باتت حقا إلهيا له، من هنا أغلق جميع المدارس، واكتفى بكتاتيب متواضعة لحفظ القرآن الكريم، حتى يظل العالم الأوحد وسط شعب من الجهلاء، ولترشيد الإنفاق أمر الموظفين بعدم وضع الرسائل فى ظرف أو مغلف خاص، بل تلف الرسالة كما تلف السيجارة، وإذا كان هناك رد على الرسالة أو تعليق على محتواها تتم كتابته على ظهرها، ومن يخالف يفصل من وظيفته»..كان يحرم الرسم والتصوير واقتناء الراديو، ويؤكد الريحانى: «كان يحتفظ لديه فى معسكر خاص بزهاء ثلاثة آلاف رهينة من أولاد مشايخ القبائل، فإن تمرد أحد على سلطانه كان ابنه أو أبناؤه عرضة للإعدام فورا، ولم يكتف بذلك وإنما مارس الطب بفروعه المختلفة، واستطاع بالخداع وترويج معاونيه لكراماته إقناع شعبه بأنه الطبيب الأكبر».
يضيف «محسن العينى» رئيس وزراء اليمن خمس مرات فى «السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى»، إلى ما ذكره «الريحانى» تفاصيل أخرى فى كتابه «خمسون عاما من الرمال المتحركة- قصتى مع بناء الدولة الحديثة فى اليمن»: «كانت صنعاء مدينة صغيرة محاطة بالأسوار، تقفل أبوابها السبعة عند الغروب، ولا تفتح إلا بعد الفجر عند الشروق، وتعيش فى ظلام دامس، وحدها دار الشكر ودار السعادة، حيث يعيش الإمام وأسرته، ودار الضيافة، تضاء بالكهرباء من مولد صغير، شوارعها غير معبدة ولكنها نظيفة، لم يكن فيها فنادق أو مطاعم، بل مجرد «سماسر» متواضعة ينزل فيها المسافرون مع دوابهم، ومخابز بسيطة، حتى السيارات كانت معدودة ربما لا تتجاوز أصابع اليدين، ويقال إن الإمام يحيى عندما قتل، لم يجدوا ما ينقلون عليه الجثمان إلا سيارة كبير اليهود «حبشوش»، ومن أكثر ما يتذكره «العينى» غرابة: «لم نسمع بالحرب العالمية الثانية، فقط كان يختفى الجاز أو الكبريت الذى يستخدم للإضاءة، فيقال إن البحر مغلق، فإذا جاء الجاز والكبريت فذلك يعنى أن البحر قد فتح».
هكذا كان حال اليمن «أرض ممهدة وطرية لحسن البنا، وجماعة الإخوان»، حسب الدكتور حمادة حسنى فى دراسته «قصة انقلاب حسن البنا على الإمام يحيى من مركز الجماعة بالقاهرة- اليوم السابع 16 و23 أكتوبر 2008»، مشيرا إلى أن البنا رأى أن نقل دعوته إلى اليمن أكثر من مناسب لاعتبارات منها: أن اليمن طوال التاريخ ظل ملاذ للدعوات الفكرية والسياسية التى تعرضت للاضطهاد فى دولها، بسبب بعد اليمن عن مركز الخلافة، وأن طبيعة اليمن الجغرافية وخاصة المناطق الجبلية الوعرة وعدم خضوع قبائله للحكام والولاة بسهولة وخلوه من الأقليات الدينية المؤثرة سيكون من العوامل المساعدة على نجاح دعوة الإخوان، وأن اليمن لم يعرف قوانين إلا قوانين الشريعة الإسلامية ولا سلطان للاستعمار عليه».
يستخلص حسنى: «تلك الاعتبارات رسخت فى عقل البنا انطباعًا بأن أرض اليمن ممهدة لانتشار دعوة الإخوان وتحقيق أهدافها المعروفة، فبدأ طريقه قبل سنوات من الاغتيال».. وفى اليوم التالى ظهرت تحركات أكدت على أن «البنا» هو المدبر، فماذا حدث؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة