فى أى دولة بالعالم يتحدد سعر السلعة أو الخدمة حسب قوة العرض والطلب عليها، فهذه ترتفع وتلك تنخفض، وهكذا يدور السوق، فمكاسب اليوم ليست مكاسب الأمس وكذلك الخسائر، والأمر يخضع لقواعد عديدة، ولا يتحرك وفق أهواء أو رغبات، لكن وفقا لمعايير اتفق عليها الجميع، إلا أن الوضع فى مصر مازال مختلفا عن النظرية العالمية المستقرة منذ عشرات السنين، حتى صار المثل بين العامة والبسطاء " اللى يغلى مش بيرخص تانى"، وهى طبعا كلمات تعبر نسبيا عن الواقع إلا أنها ليست صحيحة فى مجملها.
كل السلع التى ارتفعت أسعارها فى الفترة التى أعقبت تعويم الجنيه، عاودت الانخفاض بنسب وصلت إلى 15 إلى 20% تقريبا، إلا أن الواضح للجميع أن نسب الانخفاضات المعلنة، لا تتناسب فعليا مع الواقع، فنتائج الإصلاح التى تمت، وقوة الجنيه ومؤشرات الاقتصاد تؤكد أن الانخفاضات الحالية أقل بكثير من حقيقتها، ومازال المستوردون والتجار والصناع يحققون مبالغ طائلة على حساب المواطن، فى ظل عدم وجود آليات رقابية وقانونية تحدد مستويات الأسعار، وتسيطر على السوق بطريقة تجعله يسير بصورة أكثر اتزانا.
رجال الأعمال يتحدثون ونسمع أصواتهم التى تتعالى عندما يصعد الدولار فقط، حتى لو كان قرشا أو قرشين، ويبدأون حديثا لا ينتهى عن ضرورة رفع الأسعار وارتفاع تكاليف الإنتاج والأيدى العاملة، ويظهرون فى البرامج التلفزيونية يصرخون بضرورة تدخل الدولة لإنقاذهم وحماية الاقتصاد، إلا أنهم سرعات ما يدخلون فى عمليات بيات شتوية طويلة عندما ينخفض الدولار، فلا نسمعهم إلا ويقولون خلال 6 أشهر سنتخفض الأسعار، كأقل عمر للدورة الاستيرادية من الخارج، وهذه معادلة ظالمة بكل المقاييس، "تتقاسم معى المكسب ولا تشاركنى فى الخسارة".
البعض يتململ ويمتعض من تدخلات الدولة فى بعض الأحيان لإنقاذ السوق، والتحرك لتوفير السلع الأساسية والاستراتيجية لحماية المجتمع من الاحتكار، وتخفيض الأسعار بمعدلات معقولة يشعر معها المواطن بعوائد الإصلاح والتنمية، فى حين أنهم لم يقدموا شيئا، ولم تثبت حتى لديهم النوايا الطيبة للتعاون، فلا شك أن تدخل الدولة فى استيراد بعض السلع ساهم بصورة واضحة فى توفيرها وإنهاء أزمات الاحتكار المرتبطة بها، ولنا فى لبن الأطفال عبرة، وكذلك اللحوم والسكر والزيت، وغيرها من السلع، التى عندما تحكم فيها المستورد ورجل الأعمال تضاعفت أسعارها وتحكمت فيها مجموعة لا تستهدف مصالح الناس بل مصالحها فقط.
يجب أن تمتد أيدى الرقابة الفعالة للأسواق خلال الفترة المقبلة، بأن تتناسب أسعار السلع والخدمات مع ما يدور فى مصر من إصلاح، ويجب أن نستلهم التجارب الدولية الناجحة فى هذا المجال، ونتعرف على آليات التعامل مع الأسعار فى الأسواق الناشئة، حتى لا يقع المواطن ضحية لمجموعات تحاول الاستفادة من أى وضع صعودا كان أو هبوطا، يتجارون بالأزمات كما يتاجرون بالمنح والفرص، فتكون النتيجة مواطن لا يشعر بتحسن ولا يرى عائد مباشر للإصلاح، لذلك علينا أن نسارع ونجتهد فى ضبط الأسواق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة