قبل خمسة أيام، عقد المجلس الأعلى للجامعات اجتماعا ناقش فيه العديد من الموضوعات والقضايا المرتبطة بمستقبل التعليم فى مصر، وكيفية النهوض بالبحث العلمى والتوسع فى الجامعات التكنولوجية، وكان من بين أهم القرارات التى ناقشها، إضافة مادة جديدة لقانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972، لوضع ضوابط جديدة لشغل وظائف المعيدين والمدرسين المساعدين، بأن تصبح بموجب عقود توظيف مؤقتة لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد، بقرار من مجلس الجامعة بعد أخذ رأى مجلس الكلية المختص، وحال حصول المعيد على درجة الماجستير أو ما يعادلها خلال مدة سريان العقد يبرم معه عقد لشغل وظيفة مدرس مساعد، وفى جميع الأحوال يشترط لإبرام أو تجديد العقد استيفاء الضوابط والمتطلبات التى يصدر بها قرار من المجلس الأعلى للجامعات)، على أن تطبق هذه المادة اعتباراً من العام الجامعى المقبل 2020/2021.
قامت الدنيا ولم تقعد بعد الاقتراح المقدم من المجلس الأعلى للجامعات، وبدأ البعض يروج لفكرة أن هناك مذبحة لأعضاء هيئة التدريس فى الجامعات، وسيتم استبعاد أعداد كبيرة منهم، بالإضافة إلى تقليل المزايا المالية التى يحصلون عليها، والعديد من الأكاذيب التى تم الترويج لها دون سند من الحقيقة، فالمادة لم تخرج عن كونها مقترح حتى الآن ستأخذ مسارها القانونى والتشريعى إلى مجلس الوزراء ثم مجلس النواب حتى يتم إقرارها، بالإضافة إلى أنها لن تمس أحوال المعيدين أو المدرسين المساعدين أو المدرسين والأساتذة الحاليين من قريب أو بعيد، فلن تطبق إلا من العام الجامعى المقبل 2021 حال الموافقة عليها من مجلس النواب.
وقبل أن أرد على الشائعات التى دارت حول مقترح تعيين المعيدين والمدرسين المساعدين الجديد، دعونا نلقى الضوء على الوضع الراهن، وما يحدث على أرض الواقع، وهو أن بعض المعيدين بعد إقرار تعيينه، يتحول إلى موظف، فبدلا من إنجاز رسالته العلمية " الماجستير" فى مدة زمنية لا تقل عن عامين، وفقا لقانون تنظيم الجامعات فى مادته رقم 177، يظل خمس سنوات أو أكثر حتى ينال تلك الدرجة، ثم رسالة الدكتوراه يستغرق فيها البعض ما يقرب من عشر سنوات، وقد يحال بعضهم إلى وظائف إدارية فى الكليات وهناك نماذج عديدة فى مختلف جامعات مصر بهذه الطريقة.
المعيد أو المدرس المساعد ليس موظفا يحضر للجامعة صباحا وينصرف مساء، بل هو باحث فى الأساس يقدم جهدا علميا مبتكرا يفيد المجتمع، بل الإنسانية كلها، سواء كانت دراساته فى المجالات العلمية التطبيقية أو النظرية، فلابد أن تكون هذه هى رسالة الباحث وهدفه، إلا أن الأمر تغير الآن فالبعض يسعى للدروس الخصوصية، والمذكرات والملازم والتعاقد مع المكتبات المجاورة للجامعة كوسيلة للثراء السريع وجمع المال، والبعض الآخر يحاول الحصول على منحة للدراسة خارج مصر، وبعدما تنتهى المنحة يجدد إجازة فى أخرى، حتى تستقر أوضاعه ولا يعود إلى الجامعة.
عندما يكون هناك عقد قانونى بين الجامعة والمعيد لمدة 3 سنوات سيتوفر له الدافع بأن ينجز رسالته العلمية فى الوقت المطلوب، وأن يجتهد حتى يصل إلى هدفه ويتمكن من الحصول على درجة المدرس بعد نيل الدكتوراه، وهنا يصبح عضو هيئة تدريس أساسى فى الجامعة، وتصبح وظيفته دائمة، بدلا من الوضع الراهن الذى يطمئن فيه لفكرة كونه موظفا فى "الحكومة" ولا يمكن لأحد أن يسحب منه هذه الميزة، ويستغلها ليظل 10 سنوات دون أن يقدم أى جهد علمى حقيقى، وهذا الأمر متبع فى أغلب الجامعات العالمية، وموجود فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فالمعيد لا يتم تعيينه فى الجامعة، بل يتولى المتابعة مع بعض الأساتذة فى عدد معين من المواد نظير 600 جنيه تقريبا عن كل مادة، مع العلم أن أقصى ما يمكن أن يتابع فيه مادتين أو ثلاثة، فى الوقت الذى ينفق فيه طالب الجامعة الأمريكية خلال دراسته مئات الآلاف من الجنيهات.
لا يمكن لباحث الجامعة، الذى نعول عليه فى التطور والتقدم العلمى، ونراهن على قدرته فى تحقيق النهضة العلمية الجديدة، أن يكون كل حلمه أن يصبح موظفا على الدرجة الرابعة أو الثالثة، فما تقدمه هذه النخبة أهم وأبعد من ذلك بكثير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة