أحمد إبراهيم الشريف

بياصة الشوام .. رواية التطهر بالألم

الأحد، 13 أكتوبر 2019 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمكن لنا الآن بكل يسر القول بأن أحمد الفخرانى يملك تصورا خاصا للعالم، لكنه لا يضن بهذا التصور يريد منا أن نعرفه، لذا يقدمه إلينا، مستخدما خيالا يخصه ويخص عالمه، وهذا ما نجده فى روايته الأخيرة "بياصة الشوام" الصادرة عن دار العين.
 
أكثر الذى يلفت انتباهى فى عالم أحمد الفخراني، إدراكه التام لمنطق العالم الذى يتحدث عنه، وإحاطته الشاملة بتفاصيل شخصياته، تلك التى يأخذ بأيديها إلى مصائرها، ومع قدرته تلك لا يعامل قارئه باستهانة أبدا، بل بشركه معه فى تأويل هذا المصائر والبحث عن مضامين الشخصيات.
 
تحكى الرواية عن منطقة بياصة الشوام فى الإسكندرية، لكنه ليس حكيا عاديا، بل يروى عن عالمها الخفي، وأبطالها الغرائبيين، وعن ليلها المثقل بالتحولات وعن سعيد، الفنان الباحث عن حلمه، اليتيم، المقهور، المهمش، الراغب فى الوصول، المثقل بالأسئلة.
 
الرواية حمالة أوجه، لكل منا أن يقرأها كما يشاء، ومن وجهة نظرى فإن الحدث الجوهري، الذى أشعل كل شيء، هو موت أم سعيد محترقة بعدما أشعلت فى نفسها النار، فقد كان سعيد يجلس على المقهى بعدما نهر أمه وأغلق النافذة التى تطل منها على العالم، لكن ما حدث بعد ذلك زلزله إلى الأبد يقول "كبلنى الكبر ورماد الغضب والجبن، ثم سمعت صراخ النسوة، ورأيت نور حريق على السطح، جسد أمى، تسمرت مكانى من المفاجأة".
 
وفى ظنى أن ما حدث لـ سعيد جعله ثابتا فى مكانه لم يتحرك حتى انتهت الرواية، كل شيء دار فى عقله، الانتصارات والهزائم، قدرته على اختراق العالم الخفى لبياصة الشوام وأن يصبح ذا حظوة عند البامبو وثريا وأن يظهر لنا ملك السمان ضعيفا وأن تكون لديه القدرة على الخلق مثل معلمه إدريس.
 
نعم، سعيد لم يغادر مكانه، لكنه عقله تحرك كى يكشف عالما مغلقا بالنسبة له ولنا، يريد أن يتطهر بالألم يرى أن الجميع مجانين، ليست أمه فقط، التى يعيرها الناس بجنونها، فالجنون كامن داخل كل واحد منا سيخرج يوما ما وسيصيب الكل مس منه، سيحرقون أنفسهم ويحلقون من علٍ.
 
لم يغادر سعيد، الذى يشبه بشكل أو بآخر سعيد مهران بطل رواية اللص والكلاب للعظيم نجيب محفوظ، مكانه من على المقهى، والنار لا تزال تشتعل فى جسد أمه بينما بدأ هو بحثه عن القدرة، بتصوراتها المختلفة، بصراعها الوحشى بين النبى والدعي، بين الحق والباطل، وفى رحلته العقلية كسب أشياء وخسر أشياء، ونحن أيضا خضنا الرحلة كاملة باحثين عن خلاص مستنيرين فى طريقنا بلغة صوفية مشعة بالمعانى والدلالات والإحالات حرص عليها أحمد الفخراني، وصارت تمثل معجمه ونقطة متميزة فى إبداعه.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة