الشعور الوطنى هو الشعور بالانتماء إلى وطن محدد بحدود سياسية وقد يتسع ليشمل أمما بأسرها، ونقطة البداية هى تكوين مقومات الشعب المصرى وخروجه إلى المجتمع الدولى كشعب موحد تجمعه خصائص وسمات متميزة عن الشعوب الأخرى. ولقد لعبت الجغرافيا دوراً رئيسياً فى هذا التكوين إذ اختصر النيل الطريق إلى تكوين المقومات القومية للشعب، وجعل الدولة المركزية ضرورة وأنشأ الكيان السياسى، بمعنى آخر أنشأ الوطن لتصبح مصر أقدم دولة مركزية فى التاريخ.
وقد كان لعصر محمد على من احتكاك علمى وحضارى بأوروبا، واستمر ذلك فى عهد إسماعيل ومن ثم ظهور طبقة من المثقفين متأثرة بالأفكار الأوروبية كل ذلك أدى إلى صياغة مجتمع قومى مصرى متميز وقد ازداد هذا المظهر من خلال رفاعة الطهطاوى وعلى مبارك والمرصفى والجنرال يعقوب وهو أول مصرى فهم القضية المصرية بمعناها الحديث إذ أدرك معنى الصراع الفرنسى الإنجليزى على البلاد وكان أول من طالب باستقلال مصر عن التبعية العثمانية وبأن مصر بها من الموارد ومن المال والرجال ما يكفى لقيام دولة مستقلة.
وكان أول مظهر سياسى لهذا الوعى القومى المصرى هو إنشاء الحزب الوطنى القديم الذى أُنشئ على أنه حزب سياسى- لا دينى- مؤلف من رجال مختلفى العقيدة والمذهب لا ينظر لاختلاف المعتقدات ويعلم أن الجميع إخوان وأن حقوقهم فى السياسة والشرائع متساوية.
وكان المظهر الثانى هو ظهور أكبر حركة وطنية بين ضباط الجيش المصريين ضد العناصر الأخرى من أتراك وشراكسة وغيرهم لاحتكارهم المناصب العليا على حساب الضباط والمصريين الذى أعلنوا رفضهم لذلك.
ومن ثم دخل الشعور القومى فى مصر مرحلة جديدة تحت عاملين مهمين بعد الحرب العالمية الأولى- وهما هزيمة الدولة العثمانية وانتقال الحركة الوطنية إلى يد العناصر القومية الليبرالية وفى القلب منها حزب الأمة الذى عبر عنه أحمد لطفى السيد بقوله إن مصريتنا تقضى علينا بأن يكون وطننا هو قبلتنا وأن نكرم أنفسنا ونكرم وطننا فلا ننتسب إلى وطن غيره.
تلك هى المبادئ التى تبناها الوفد المصرى، برئاسة سعد زغلول وتم تشكيل الوفد على أساس قومى بحت، وقال سعد رداً على ما يكون بشأن الأقباط بعد الاستقلال فأجاب: بعد الاستقلال يكون شأنهم شأننا لا فرق بين أحد منا إلا فى الكفاءة الشخصية،
ومن هنا تعتبر ثورة 19 الثورة القومية الشعبية الأولى فى تاريخ مصر الذى يعنى تحول الأمة إلى دولة وتستهدف الاستقلال التام وهى المرة الأولى التى يتوحد فيها الشعور الوطنى مع الشعور القومى.
من هذا السياق نرى أن ما يقوم به الرئيس السيسى هو بناء جديد للدولة المصرية منطلقاً من مرتكزات تاريخية ووطنية فى العلاقة الوطيدة بين الشعب المصرى وجيشه يسعى من خلالها وبدعم كبير من أغلبية المصريين إلى بناء الدولة المدنية الوطنية الديمقراطية الحديثة التى وضع لبنتها الأولى محمد على فى إقامة نظام إدارى مركزى هو اللبنة الأولى لبناء الدولة الحديثة والتى كان التقدم فيها يتم خطوة خطوة فى سلسلة من التجارب والأخطاء التى أسست سلطة مركزية، وحققت سيطرة على التجارة الداخلية والخارجية وإصلاحاً شاملاً للزراعة وإفاقة الصناعة وكان القانون والنظام هما حجر الزاوية فى سياسة محمد على الداخلية وهو ما بشر بحلول مرحلة من الاستقرار والأمن، ومن هذاالمنطلق علينا قراءة تجربة محمد على بإمعان نأخذ منها ما يناسب الظروف والمرحلة وننطلق به إلى إفاقة المستقبل تاركين ما يعوق بناء الدولة الحديثة خلفنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة