بين مؤيد ومعارض، وآخر لم يحسم موقفه، يتداول أهل النخبة السياسية حديثاً عن «مجلس للشيوخ» بات يطل برأسه على حياتنا السياسية، ولكل منهم حجته ومبرراته، مثلما تتوزع المصالح على البعض منهم قياساً على ما يملكه كل منهم من قوة ونفوذ تتيح له المنافسة على اقتناص أحد المقاعد، سواء بالتعيين أو بالانتخاب.
والواقع أن «لجنة الخمسين» التى أنتجت دستورنا الجديد عام 2014، كانت قد شهدت جدلاً واسعاً حول الأمر نفسه، ورجحت كفة الاكتفاء بغرفة واحدة للبرلمان، هى «مجلس النواب»، وفى ذلك كانت هناك مساجلات لا داعى للخوض فيها الآن، لعدم جدواها، بعد أن أصبحت الغرفة الثانية، «مجلس الشيوخ»، مطروحة لتأخذ دورها ضمن الهيكل الأساسى لحياتنا السياسية.
وحتى يشارك القارئ العزيز فى أحاديث «أهل السياسة»، أود أن أطرح بعض الملاحظات السريعة، عساها تساهم فى تشكيل رأى عام مستنير بالأمر، دوافعه، ونتائجه، وطبيعة عمله، فأقول:
• الرافضون لإضافة «مجلس الشيوخ» إلى مؤسساتنا السياسية، لديهم جملة من الأسباب والرؤى، تتمحور أغلبها حول فشل التجارب السابقة، فى عهد «الحزب الوطنى» الذى هيمن على حياتنا السياسية على مدى عدة عقود. احتكر فيها السلطة، وترك لغيره أدواراً هامشية لا جدوى حقيقية منها، حتى أنه كان المسؤول الفعلى عن تعيين بعض «المعارضين» أو «إنجاحهم» فى كل الانتخابات البرلمانية، لمجلسى الشعب والشورى على السواء، مرورواً بانتخابات المحليات!. فكانت اختياراته لا تزيد عن كونها ذراع للحزب الوطنى مهمتها إضفاء لون ديمقراطى زال بسرعة من أذهان الناس، وترسخ بدلاً منه إهمال الناس عن المشاركة السياسية عامة. فيما هدم معه أهمية الأحزاب لدى الرأى العام، وهو أمر ما زلنا نعانيه حتى الآن، ويضيف الرافضون عدم قيام «مجلس الشورى» بأى دور مؤثر مقابل هيمنة «مجلس الشعب»، ولم تفلح ضغوط صفوت الشريف الرئيس الأسبق لمجلس الشورى فى انتزاع صلاحيات واختصاصات حقيقية، أضف إلى ذلك أن التعيين فى «مجلس الشورى» كان مجالاً للمجاملات ولترضية «رديف» الحياة السياسية ممن لم يحظوا بعضوية «مجلس الشعب»، وطبيعى على هذا النحو المؤسف أن تُثار مسألة التكلفة المالية الباهظة، طالما اختفى العائد السياسى.
• المؤيدون لاستحداث «مجلس الشيوخ» الآن، يؤكدون أن تغيراً حقيقياً حط على مسيرتنا السياسية؛ ومن ثم فإن مساوئ «مجلس الشورى» فى عهد مبارك، لا مجال لتكرارها، ويفصلون فى ذلك؛ فيؤكدون أن خبرات متنوعة مطلوبة يمكن أن يوفرها «مجلس الشيوخ»، لاحظ تغيير الاسم بدلاً من «مجلس الشورى»!، ربما لنسيان الأخير بسوء سلوكه السياسى والاقتصادى على حد سواء. ويضيف المؤيدون الرغبة فى توسيع قاعدة المشاركة فى عملية صنع القرار، ومساعدة «مجلس النواب» فى مواجهة ثقل العبء التشريعى المُلقى على «مجلس النواب»، الذى بالفعل أنتج كماً كبيراً من التشريعات، حتى أنه مال ناحية التشريع على حساب الدور الرقابى المتواضع عن موقعه المأمول من أول «مجلس نواب» بعد الدستور الجديد 2014، وإزاء هذه «المكاسب» لا يرى الفريق «المؤيد» منطقاً للحديث عن الكُلفة المالية المنتظرة جراء قيام «مجلس الشيوخ» بدور حقيقى.
• بين المؤيد والمعارض، فريق لم يزل ينتظر قبل أن يحدد أو يعلن موقفه، مضغوطاً بتجاربنا الفاشلة من جهة، وآمالنا المشروعة فى الأفضل، بما يتناسب وما تحققه الدولة المصرية من نجاحات ملموسة على مستويات شتى، اقتصادياً وأمنياً واجتماعيا، ويتردد بين هذا التيار «المتردد» أن أحزابنا غير جاهزة لإمداد «مجلس الشيوخ» بكفاءات وخبرات متنوعة، بعد أن ألهتها الصراعات الداخلية، وأرهقتها المزايدات والمساومات؛ ومن ثم لا يُنتظر منها دعماً حقيقياً فى هذا الشأن، غير أن الأمر على هذا النحو مردود عليه بأن الأحزاب ليست هى المورد الأول لأعضاء «مجلس الشيوخ»، إذ يتسع المجال أمام كل الخبرات الوطنية دون التزام بأى مرجعية حزبية، ثم إن الطبيعى أن آلية التعيين سيكون لها اليد الطولى فى تشكيل «مجلس الشيوخ» المنتظر؛ ومن ثم تبقى المسؤولية كبيرة فى عنق مؤسسات الدولة المنوط بها اختيار المعينين فى ضوء معايير وطنية موضوعية وجادة لا غرض فيها إلا المصلحة الوطنية، إلى جانب «الأمل» فى تعلم الناخبين من تجاربنا فيحسنوا اختيار أعضاء «مجلس الشيوخ»، وفق محددات وطنية بعيدة عن المجاملات والقبلية والمصالح الصغيرة أمام المصلحة الوطنية.
نحن إذن فى انتظار ضيف مثير للجدل، صاحب سوابق غير مُرضية عندنا، لكنه مُعتبر فى كثير من المجتمعات الديمقراطية، وهو فى ذاته برئ إذ يعبر فحسب، كاشفاً لا مُنشأً، عن مدى ديمقراطية المجتمع، قدر ما يساهم فيها خصماً وإضافة، فهل يأتى ذلك الضيف؟!. وإلى الأسبوع المقبل بإذن الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة