فرصة وسنحت، توجيه الرئيس بجمع المشردين من عرض الطريق، وحمايتهم من صقيع الشتاء القارس، واستضافتهم فى دور آدمية مع طعام وملابس ونومة دافئة بعيدًا عن الرصيف، وتوفر وزارة التضامن بكل همة على تنفيذ حملة تلف الشوارع بحثًا عن هؤلاء وتحرز نجاحًا طيبًا فى جمع شتات هؤلاء المبعثر على الأرصفة، جدير بالاستحسان والثناء. من ينقذهم من البرد وكلاب السكك ينقذهم من الضياع.
فرصة وسنحت ويستوجب تطوير حملة «جمع الشتات» فى البدء فورًا فى محو أمية هؤلاء، وإلحاقهم فى ورش مهن بسيطة، يتعلمون صنعة، ويكسبون من عرق الجبين، مهنة يحققون فيها ذواتهم التى ضاعت فى لجة شوارع المحروسة، ويستردون كرامتهم المهدرة على الأرصفة، وترحمهم من ذل السؤال، وتعينهم على العفاف، تحسبهم أغنياء من التعفف.
أقول فرصة لبدء مشروع مجتمعى معتبر لتأهيل المشردين، وهو مشروع لمصر أولاً، مشروع يحسن صورة مصر، يمسح عن وجهها مأساة أطفال الشوارع التى باتت ظاهرة مقلقة، للأسف هم المادة الخام للتطرف والإدمان وتاليًا عصابات المخدرات والسرقة والسطو والاعتداء، فضلًا عن التحرش دون رادع أخلاقى بعدما تربوا على أخلاق الشوارع، وفى الشوارع يتحول الحمل الوديع إلى وحش كاسر ليحمى نفسه من الكواسر، البقاء فى الشارع للأقوى، وكم داست أقدام الفيلة من العشب الأخضر.
فرصة لتثبيت معادلة البشر قبل الحجر، البشر أولًا، والحجر فى خدمة البشر، المحروسة تتجمل بطلاء مبانيها البائسة، وتتجمل بغسيل وجوه أبناء الشوارع وغسيل سمعتهم، أولاد مصر كرامًا لا يهانون أبدًا، بل تمتد إليهم يد الرعاية حانية، أخيرًا ولاد الشوارع وجدوا من يحنو عليهم ويرأف بهم، ويعود بهم من رحلة الضياع التى قطعوا فيها فراسخ، إلى الحياة مجددًا بكرامة إنسانية.
فرصة ضنت علينا بها قبلًا حكومات طال بها المقام فى سدة الحكم، ولم تعر هؤلاء الضائعين اهتمامًا، بالمناسبة هؤلاء بعض ممن قذفوها بالحجارة تاليا ثأرًا وانتقامًا، حمدًا لله أن قيد لنا رئيسًا عينه على الشارع، وقلبه على الفقراء فى صقيع الشتاء، حمدًا لله أن تلفتت وزارة التضامن بحثًا عن هؤلاء الضائعين، أولاد الشوارع شردوا عن عائلاتهم فلمهم الرصيف، المتسربين من بين أيدينا ونحن عنهم غافلون، أخيرًا عثرنا عليهم فلا تضيعوهم مجددًا، بل نسترهم، ونطعمهم من جوع ونؤمنهم من خوف من المستقبل.
فرصة وسنحت لتحويل هؤلاء المشردين إلى صالحين للتعاطى مع المجتمع، وينتقلون من خانة العالة والعوالة ونبش الفضلات كالهررة إلى بشر نافعين ينعمون بالأمن والأمان، ويودعون الرصيف إلى مهنة مفيدة، يكسبون مما صنعت أيديهم وفى مشاغل ومعامل وزارة التضامن فرص كبيرة لهؤلاء الغلابة.
إعادة تأهيل هؤلاء مشروع للمستقبل، نرسم مستقبلًا لطائفة من البشر ضنت عليهم الحياة بفرصة، والفرصة سانحة الآن لإعادتهم إلى ركب الحياة الطبيعية، كم تألمنا ونحن نراهم مكومين على الأرصفة، اكتفينا بمصمصة الشفاة، ولعن الزمان، ولم نحرك ساكنًا ولم نضع فى أعيننا حصوة ملح، ولا خجلنا من عارنا، على طريقة «خذنى بعارى».
اكتفينا بصورهم على الفيس منشورة نكاية فى الحكومة وشير و«لعلع يا ولا»، ينشرون لحمنا عاريًا ليعف عليه الذباب الإلكترونى، نعير بها حكومة ولا نعير إلا أنفسنا، ونخمش بها وجوهنا فتدمى، ولكن لا أحد فكر فى هؤلاء الضائعين، تركناهم للرصيف ينهش أجسادهم وتجار الأعضاء وعصابات التجارة فى الدماء تمتص رحيقهم، اكتفينا بالحوقلة والحسبنة على من ظلمهم، فإذا امتدت إليهم يد العناية أشحنا بوجوهنا عنهم!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة