كل التمنيات الطيبة بالتوفيق، لمن اختار، ولمن وقع عليه الاختيار محافظاً فى الحركة الأخيرة، وقد أتت فى مرحلة أقل ما يقال عنها أنها مختلفة تماماً. ولا يفوتنى الشكر لكل الأجهزة الرقابية والأمنية التى لا شك بذلت جهوداً جبارة، على مدى عدة أشهر، لتضع بأمانة رؤيتها فى نزاهة وقدرة كل من كان مرشحاً لتولى المسئولية.
غير أن ملاحظات سريعة أراها تحيط بالموقف، ربما نؤسس معها لفكر جديد مُغاير، بها نتسق أكثر مع مستجدات المرحلة الراهنة، وما نحن على موعد قريب معه، بإذن الله، من تقدم حقيقى وجاد على طريق بناء الدولة المدنية الحديثة. فأقول :
معايير موضوعية نحن فى حاجة ماسة لها، فى تقييمنا لأداء الدولة، ومنهجها فيما تتخذه من مواقف وإجراءات، وما تطرحه من مبادرات وسياسات. وعليه، فليس لنا أن نقف عند حد اختيار 19 لواء من بين المحافظين الجدد. فلا شك أن لهؤلاء خبرات إدارية وتنظيمية أُخذت فى الاعتبار. وفكرة "الكوتة"، بين الرتب والقضاة وأساتذة الجامعات، والمسيطرة بالفعل على معظم المحللين، ينبغى أن نتجاوزها إذا ما أردنا نظرة موضوعية أكثر تطوراً تحكم موقفنا من أداء الدولة. فدعونا ننتظر ونقيم الأداء، والدولة لا شك قادرة على التصحيح إذا ما لزم الأمر. وغير ذلك نطعن بقوة فى صدق توجه الدولة إلى الإمساك بمفردات مفهوم الدولة المدنية الحديثة.
لاحظت أن حركة طالت قيادات المحليات، فى أعقاب حركة المحافظين مباشرة. الأمر الذى يؤكد أن تنسيقاً قد جرى العرف على غيابه، بين وزارة التنمية المحلية والمحافظين عند تعيين قيادات المحليات، رغم أن المحليات تعمل تحت إشراف المحافظ مباشرة. وقد كان حرياً بنا أن ننتظر لبعض الوقت، ليتسنى التشاور بين وزارة التنمية المحلية والمحافظ فى تغيير أو إبقاء قيادات المحليات التابعة له. وإذا قيل "عامل الوقت"، قلت أن حركة المحافظين نفسها تأخرت عن موعدها نحو ثلاثة شهور، إذ كان المفترض أن يؤدى المحافظون الجدد اليمين الدستورية عقب أداء الرئيس لليمين عند بداية ولايته الثانية فى الثانى من يونيو الماضى. لكن التأخير كان مقبولاً إذ تمنينا أن يكون وراءه التدقيق والحرص الكبير على توافر معايير الكفاءة والنزاهة. رغم أن المواعيد كانت معروفة، منذ سنوات !، لكن دواعى المصلحة الوطنية تبيح استثناءات وتمررها، وقد كان الأمل اتباع نفس المنطق عند إجراء حركة المحليات الأخيرة. أم أن "عيناً" حمراء أرادت أن تُظهرها وزارة التنمية المحلية للمحافظين الجدد، مفادها أن المحليات شأن تنفرد به الوزارة. أتمنى غير ذلك.
على ذكر المحليات، همسة فى أذن كل محافظ: المرحلة المقبلة مختلفة تماماً فيما يتعلق بطبيعة ومهام "المحافظ". فنحن على موعد قريب، بإذن الله، مع انتخابات المحليات، وستفرز الانتخابات قيادات محلية، كل الأمل أن تعبر بصدق عما حدث فى المجتمع المصرى من تغيرات جذرية، جراء ثورة 25 يناير وموجتها التصحيحية فى 30 يونيو. وعليه فعلاقة المحافظ بالمحليات ستختلف كثيراً، خاصة وأن القانون الجديد، وقد طال انتظاره، سيكون مُلزماً بتطبيق ما جاء فى الدستور بشأن إعلاء قيم اللامركزية، والشفافية، ودعم وتعزيز قدرة المحليات على مراقبة عمل الأجهزة التنفيذية بالمحافظة.
أرجو أن تكون أُذن كل محافظ ما زالت معى، اسمع يا عزيزى المحافظ : لطالما طالب السياسيون أن يكون المحافظ، والوزير أيضاً، من بين السياسيين، عساه يدرك أبجديات خطاب يراعى فيه أنه ممثل للدولة أمام أبناء محافظته، بل وأمام الرأى العام الذى يتابعه، سواء عبر وسائل الإعلام، أو فى لقاءاته الجماهيرية. والواقع أننى لست مع تلك الرؤية على إطلاقها، فكثير من السياسيين دُخلاء على العمل السياسى، ولا يمكن أن نتوقع منهم تعبيراً صادقاً عن "حنكة" السياسى. إلا أننى لا أنفى أن وزراء ومحافظين غادروا مواقعهم لسوء خطابهم، والأمثلة وفيرة الكل يعلمها. ومن ثم أتمنى من كل محافظ مراعاة حُسن التعبير!، ومراعاة الملل الشعبى الحاصل جراء التمسح فى "توجيهات السيد الرئيس"، ويليها مباشرة "توجيهات السيد رئيس الوزراء"، وغير ذلك من التعبيرات الصادمة، وغيرها المُبهمة، وغيرها العنترية. تصدق محافظ جديد، بعد ساعات من أداء اليمين صرح : "الراجل من النهارده يمد إيده على أراضى الدولة" !.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة