لطالما تشدق البعض، وهم للأسف كُثر، بأن عهد الرئيس السيسى يميل جهة الحجر أكثر من البشر! فقيل أن استخدام مواد البناء، حديد وأسمنت وغيره...، فيما نلحظه بسهولة من مشروعات ضخمة فى الإسكان والعمران، أكبر بكثير من الاعتماد على أدوات التثقيف وإثراء الوعى، فيما يمكن أن يفرز حراكاً سياسياً ومشاركة سياسية، تصعد بجهودنا إلى مستوى مفهوم التنمية الشاملة، بمضامينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ثم إذ فجأة، ننهض مسرعين غالباً لا ندرى إلى أين! على توجه رئاسى نحو "بناء الإنسان"، فأُسقط فى أيدينا؛ إذ لم تنشغل الأحزاب السياسية بالأمر من قبل، ربما لانقطاع صلتها بالشارع، ولم يهتم المتشدقون بطرح رؤى جادة وموضوعية لإعادة بناء الإنسان مستلهمة من تجارب دولية ناجحة، وخصوصية وطنية ثرية الأبعاد، ربما لجهلهم بكل ذلك.
وبسرعة، عادتنا ولن نشتريها! أصبحت مقولة الرئيس على لسان كل مسئول، وفى مقدمة أولويات "المفكرين"، ولم يتأخر عنهم المتشدقون إياهم. لكن دون أن يقدموا خطوة واحدة على طريق "بناء الإنسان" بالفعل!
والواقع أنهم بذلك يعبرون عن "الإنسان" الذى نود بالفعل أن نُعيد بنائه، فنهيأه لأدوار الإبداع والمبادرة والتفكير النقدى، بما لا يجعله، حتى مع وصوله إلى عضوية دوائر النخبة، يقف "متشدقاً" متلقياً للأفكار دون حتى القدرة على الإضافة إليها. الغرض، سيبك منهم، وتعال أقول لك:
• عملية إعادة "بناء الإنسان" تعرفها كل المجتمعات التى شهدت تحولات جذرية، شكل النجاح فيها خطاً موازياً تماماً لم أنجزته على طريق التنمية. مرت بذلك ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وغيرهم كثير.
• فكرة "إعادة" بناء الإنسان تُخيف المنتمين إلى الأنظمة السابقة التى سعت الشعوب إلى التحول عنها عنوة، لأنها عملية تشمل فى المقام الأول "هدم" لقيم وأفكار ومبادئ لطالما رسخت أقدامهم الثقيلة فوق طموحات شعوبهم حتى ثارت عليه راغبة بإصرار، فى حياة أفضل. ومن هنا فإن عملية "إعادة بناء الإنسان المصري، ما هى إلا حلقة فى سلسلة المجابهات بين عهد الرئيس السيسى وما سبقه من عهود لم تكن أبداً المصلحة الوطنية على قمة أولويات القائمين على إدارة شئون الدولة.
• عملية "إعادة" بناء الإنسان لن يستطيع المشاركة فيها كل من اكتفى باستقبال توجه الرئيس السيسى دون القدرة على الإضافة إليها. وفى ذلك سمة مميزة لبناء البشر لا تجدها فى بناء الحجر؛ إذ الأولى لا يقدر عليها إلا من لديه القدرة على الإبداع والإلهام. أما أصحابنا من المنتظرين "قعوداً" فربما ينجحون فى بناء الحجر، لكن ليست لهم فرصة حقيقية للمشاركة فى عملية إعادة بناء الإنسان. إذ هم بالأساس مالكى القيم والمبادئ التى نستهدف هدمها إذ نشرع فى عملية إعادة بناء الإنسان.
• وعليه، فإن مضادات دفاعية ستنطلق فى وجه محاولات الدولة نحو إعادة بناء الإنسان، ومن كتائب الجماعة الإرهابية، ولن تخذلهم "قوى" سياسية ضعيفة لم تجد سبيلاً إلى مصادقة الشعب وتبنى تطلعاته المشروعة.
• والحال، أن تعليماً متطوراً، وإعلاماً واعياً بمسئولياته الوطنية الضخمة، وخطاباً دينياً مُعاصراً، ورعاية صحية حقيقية ومتقدمة، ومؤسسات ثقافية غير صورية، هى بالقطع متطلبات ضرورية لإعادة بناء الإنسان المصرى. وهى محاور لا شك تحتاج إلى رؤى متميزة، مُبدعة ومُلهمة، فضلاً عن كونها ملفات مجتمعية، نجاحنا فيها مرتبط بتكاتف كافة القوى المجتمعية وليست الجهات الرسمية المُكلفة بها فحسب. وهو فكر جديد، مختلف عن أنماط التفكير التى سادت قبل 30 يونيو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة