لا شك أن الغفران قيمة جميلة يخسر من يفتقدها، ويحزن من لا يجدها، فكل ابن آدم خطاء، ومادمنا فى هذه الحياة فالخطأ وارد، والزلل وارد، والنسيان وارد، والجرم أيضا وارد، فطبيعة النفس الإنسانية تجبرها أحيانا على الخطأ، وما يحمله الإنسان «العادى» من شهوات وغرائز يجبره فى كثير من الأحيان على ظلم غيره بالقول أو بالفعل، فللإنسان عدة أسماء منها أنه «حيوان ناطق» ومنه أنه «حيوان عاقل» ومنها أنه «حيوان متعلم» لكنه فى الأخير «حيوان» يشترك فى غالبية صفاته مع الحيوانات، ويؤمن فى أعماقه بأن «البقاء للأقوى» كما يؤمن بأهمية بل وبحتمية «الصراع» ويعلى من قيمة «الاستحواذ» على كل شىء وأى شىء، سواء كان هذا الشىء مالا أو جاها أو إناثا، وللأسف لم تنجح حتى الآن كل إنجازات الإنسان «الإنسانية» فى إبرائه من تلك الصفات الحيوانية، ولهذا فالخطأ طبيعى، والظلم طبيعى، وقد آمن الجميع فى أعماقه بأهمية وجود الغفران فى حياتنا لنعبر من محيط الحيوان إلى محيط «الإنسان» الذى كرمه الله وجعله خليفته على الأرض.
نعم نعم، الغفران قيمة أساسية فى حياتنا، نعم نعم، هو قادر وحده على أن يقربك إلى «الله» الذى جعل من الغفران أحد أسمائه وصفاته، لكن السؤال الآن: لمن نغفر؟ ومتى نغفر؟ وكيف نغفر؟ ولوجود هذه الأسئلة- للأسف أيضا- ضرورة إنسانية كبيرة لو تعلمون، لأنها هى الوحيدة القادرة على ترشيد مسار الغفران، لكى لا تتحول هذه القيمة العظيمة من عامل من عوامل رقى الإنسان إلى عامل من عوامل تغذية الحيوان المقيم فى قلوب المخطئين، فنعم لابد أن تسود قيمة الغفران بين الناس، لكن هناك نوعا من البشر إذا أمن من العقوبة أساء الأدب.
لمن نغفر؟ نغفر لمن تاب واعترف بأخطائه وعزم على ألا يعود إليها، ومتى نغفر؟ نغفر حينما نتأكد من أن التوبة صادقة فعلا، وأن من ارتكب هذا الخطأ يحاول تصحيح أخطائه والحد من آثارها الضارة، وكيف نغفر؟ نغفر غفرانا جميلا، لا عتاب فيه ولا تأنيب ولا معايرة، لأن العتاب المستمر على أخطاء الماضى يصنف المخطئ فى قائمة المذنبين الأبديين الذين سكنوا فى الذنب ووصموا بالعار، لكن هذا كله لا يمنع من مراقبة هذا المخطئ من حين لآخر ورصد أفعاله التى ربما توحى بأن التوبة كانت توبة ظاهرية وليست صادقة، وهنا يجب علينا أن نحتاط وأن نحذر، دون هذا تصبح الطنطنة بأهمية الغفران مجرد جسر للتمادى فى الخطأ والبعد عن الصلاح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة